قد عُتِّقتْ حتى تناهت جدَّةً ... وكذاك يصفو التبر حين يحرق
شربت كثافتها الدهور فما تُرى ... في الكأس إلا جذوة تتألق
يسعى بها ساق يهيج به الهوى ... ويُرى سبيل العشق من لا يعشق
تتنادم الألحاظ منه على سنا ... خد تكاد العين فيه تغرق
راق العيون غضارة ونضارة ... فهو الجديد ورق فهو معتَّق
ودنا كما لمع الحسام المنتضى ... ومشى كما اهتز القضيب المورق
لا غرو أن ثملت معاطفه فما ... ينفك في فيه الرحيق يصفق
وأظله من فرعه وجبينه ... ليل تألق فيه صبح مشرق
وكأن مقلته تردِّد لفظة ... لتقولها لكنها لا تنطق
فإذا العيون تجمعت في وجهه ... فاعلم بأن قلوبها تتفرق
وهذا والله من نفيس الكلام، كما يعبر محمد بن داود في كتاب الزهرة، على روحه اللطيف ألف تحية وألف سلام!
كان أبو نواس يشتري المعاني من الشعراء، يشتريها بالدنانير، ويهدد باغتصابها إن رفض البائع، وكانت حجته أنه الباقي وأن من يساومهم إلى فناء
فما الذي كان يصنع أبو نواس لو عاصر المحيوي وقرأ هذه الأبيات في وصف الخمر والتغزل في الساقي؟
كان يقدم أيامه لا دنانيره ليضيف هذه الأبيات إلى أشعاره في الخمريات
هذه أبيات نفيسة جداً، والشرح يفسدها، فنتركها بلا شرح، فهي كمقلة ذلك الساقي، تردد لفظه ولكنها لا تنطق!
ثم ماذا؟ ثم ينطلق الشاعر في مدح الملك الصالح بأسلوب يشتهيه البحتري المتفرد بإجادة المدائح فيقول:
إيهٍ مديحي لا خُطاك قصيرة ... يوم الرهان ولا مجالك ضيق
هذا مقام الُمْلك حيث تقول ما ... تهوى وتطنب كيف شئت فتصدق
في حيث لا شرف الصفات بمعوز ... فيه ولا باب المدائح مغلق
هذا شاعر كان له ملك يتذوق الشعر فأبدع في الغناء، وطاب له أن يقول: