للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إيما وأكثر جاذبية، وذلك لأنها كانت مفتقرة إلى بره والى قليل من دريهماته، ثم إلى مقاسمته سريره وكتبه. . . ومن تناقضه أيضاً عداوته للمرأة (قبل المعاهدة التي أبرمناها معه بهذا الصدد) بسبب حبه لإيما. إيما الهيفاء التي كنت أحس لسع حبها ولفحه. بل اضطرامه يتأجج به فؤاده في ثنايا سطور (زهرة العمر)، وهو لا يزال يتلظى بناره حتى هذه الساعة. . . إيما - وكم في الدنيا من إيما التي تملك وحدها كما قلت له ذلك أمام قاضينا الزيات - أن ترده إلى الجنة التي طردته منها في ساعة من ساعات الجنون

آه يا ساشا المسكينة لو عرفت سر توفيق الحكيم! إنه عند ما رآك أول مرة نسى إيما ونسي ببغاءها ونسي باريس كلها، وطلب سكيناً لينتحر تحت قدميك الجميلتين الصغيرتين، ولكنك حينما جئت إليه وفي عينيك لمحة من أسى، وبلة من بكاء. عند ذلك انخفضت قيمتك في عينيه، وهبط ثمنك في سوق غرامه. آه يا ساشا المسكينة لو عرفت سر توفيق الحكيم، وعرفت تناقضه في الحب، وفي الفن، وفي الله، وفي الشيطان!

لقد عرفت إيما هذا السر فعبثت بصاحبك، وصاحبها، زمناً ليس بالطويل وليس بالقصير، فلما عرف سرها طارت عنه وتركته يناصبها العداء، ويناصب كل امرأة من أجلها العداء. ثم يحتج في تناقضه مع الدنيا نفسها ومع إخوانه البشر. بهذا المودرنزم، وذلك حين يدعي، برغم الحب الذي ينشب أظفاره في نياط قلبه، أنه لا يريد أن يعصي الله من أجل التفاحة التي هي الحب، والتي خيل إليه أنه لم يذق حلوها قط! فهل صدقت يا ساشا وهل صدقتم أيها المؤمنون أن توفيق الحكيم، رجل يقع أحياناً في التناقض الشديد الذي يجعل مؤمناً مرة، ويجعله كافراً مرات، ثم يجعله مغرماً طوراً، ويجعله رجلاً لم يقع في شراك الهوى قط! اسمعي يا ساشا واسمعوا أيها المؤمنون هذا الرجل المولع بالمودرنزم يقول: (إني لم أزل أحب إيما لأنها شيء بعيد، غير موجود في كل وقت. . . يرتفع إلي غناءها من نافذتها كأنه شعاع يأتيني من بعيد. إنها أعطتني بعض أسرار نفسها وجسمها. ولكنها مع ذلك ليست في يدي، شأنها شأن الطبيعة التي تعطينا وتستعصي علينا. إن الحب قصة لا يجب أن تنتهي. قصة إيما مستمرة لا تريد أن تنتهي. . . لو أن إيما قبلت أن تترك حجرتها كما عرضت عليها وتأتي لتقطن معي في حجرتي لكان حظها عندي حظ ساشا. هنا الفرق بين الغرام والزوجية!

<<  <  ج:
ص:  >  >>