عظيم في تاريخ الفلسفة على اعتبار أن الأخلاق فرع من فروعها
وفي الكتاب دراستان: إحداهما منقولة، والأخرى أصيلة: أخذت المنقولة عن المصادر الأجنبية وذلك فيما يختص بالأخلاق عن أمم الشرق القديم وعند اليونان وعند الأوربيين بعد عصر النهضة. والجزء الأصيل هو الخاص بالأخلاق الإسلامية. وهذا فضل للمؤلف غير منكور، وجهد مشكور
ولا أحب أن أعرض للأجزاء المنقولة بشيء، لأن نقدها يعتبر نقداً للمراجع الأولى التي استسقى منها المؤلف، ولكني أقول من حيث الشكل إنه عرض للسائل عرضاً سريعاً لا يشبع النهم، وعذره في هذا هو طول الموضوع وضيق الورق. وما بالك بكتاب يريد أن يحيط بتاريخ الأخلاق من يوم أن ظهرت الحكمة الإنسانية حتى الآن، في بضع مئات من الصفحات
ونقف قليلاً عند الجزء الأصيل، وهو تاريخ الأخلاق عند المسلمين. قال المؤلف في مستهل الكلام عن الأخلاق في الإسلام ص ١٥٩:(إن الضمير، وإليه المرجع في بيان الخير والشر، فطري في جرثومته وأصله. . .). وهذه القضية، وأعني بها فطرة الضمير، موضع خلاف بين العلماء والفلاسفة، ولم يكن ينبغي أن يقطع فيها المؤلف برأيي كما يقتضي التحقيق العلمي الصحيح
وتقسيم الأخلاق الإسلامية غير واضح، فهو يضع في القسم الأول الذين سادت كتاباتهم النزعة الدينية والأخلاق العملية كما فعل الماوردي في أدب الدنيا والدين. وفي القسم الثاني الذين سادتهم النزعة الدينية والصوفية مشوبة بالنظر الفلسفي كالغزالي. وفي القسم الثالث الأخلاق الفلسفية كما نجدها عند الكندي والفارابي وغيرهما. والتقسيم على هذا النحو يعتبر غير جامع ولا مانع كما يقول المناطقة
ويرى المؤلف أن القرآن والحديث لا يكونان مذهباً أخلاقياً وفي ذلك يقول: (إلا أنه حذار من المبالغة والقول بأن ما في القرآن والحديث من أخلاق يكون مذهباً أخلاقياً، فإن هذا لا يعدو، كما نعرف جميعاً، طائفة لها قيمتها من المواعظ والحكم تدل على الخير، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. أما أنا فأعرف أن في القرآن فلسفة وأخلاقا وتشريعاً وقصصاً كأغلب الكتب السماوية. والجانب الخلقي في القرآن عملي يصف ألوان السلوك