إنما أريد أن أذكر أن النثر العربي، وخصوصاً النثر القصصي وهو الذي يهمنا هنا، كان نثراً زاهياً مزدهراً، وذلك منذ صدر الإسلام، وكان الفضل في إيجاد للقرآن أولاً، ثم للأحاديث الطوال ثانياً، ثم للقصاص (الذين كانوا يجلسون إلى الناس في المساجد، يفصلون ما في كتاب الله من قصص الأنبياء، ويسرفون في تهويل هذه الأنباء، ابتغاء للعبرة والتماساً للموعظة. ولما ازداد إقبال الناس على هذا الضرب من القصص، وكثر إفك القصاص فيه، طردهم أمير المؤمنين علي من المساجد ما خلا الحسن البصري). . . وقد كان أشهر القصاص الذين فرغوا لتفصيل قصص القرآن تميم الداري ووهب ابن منبه وكعب الأحبار وعبد الله بن سلام وغيرهم. . . وبغض النظر عن قيمة قصصهم من حيث التحقيق العلمي، فقد كانت أساليبهم شائقة، وعباراتهم سليمة لا تعمل فيها ولا التواء. وفي كتاب (أصول الأدب) أن معاوية عرف للقصص قيمته في الدعاوة السياسية فولى عليه رجلاً كان إذا صلى الصبح جلس يذكر الله ورسوله، ثم دعا للخليفة وحزبه، ودعا على أهل خصومته وحربه، وكان هو (أي معاوية) إذا انفتل من صلاة الفجر جلس إلى القاص حتى يفرغ من قصصه، وكان ولاته وقواده يقدمون القصاص في بعض حروبهم ليقصوا على المقاتلة أخبار الشهداء وما وعدوا به من حسن الجزاء، فعل ذلك الحجاج في العراق، وجاراه فيه من حاربهم من زعماء الفرق
وفيه أيضاً (أن أول من تولى القصص الرسمي في مصر سليمان بن عنتر التجيبي سنة ٣٨هـ تولاه مع القضاء، ثم تعاقبت القصاص من بعده في مصر.) وقد اشتد الإقبال على القصص في عهد الفاطميين)، فقد كان يعقوب بن كلس وزير المعز يعتمد على المناظرات في فقه الشيعة، وعلى القصص في جذب القلوب لأهل البيت، وكان مقتل الإمام (علي) ومأساة الإمام (الحسين) موضوع المنابر والسوامر في شهر رمضان والمحرم. . .)
وقد صدق الأستاذ الحكيم في استنتاجه من حيث نشأة الأدب الشعبي في مصر، إذ (حدثت ريبة في قصر العزيز فتناقلتها الأفواه، ورددتها الأندية، فطلب إلى شيخ القصاص يومئذ يوسف بن إسماعيل أن يلهي الناس عنها بما هو أروع منها، فوضع قصة عنترة ونشرها تباعاً في اثنين وسبعين جزءاً)
أما في العراق، في القرن الرابع الهجري أيضاً؛ فقد جمع فن القصص بين روعة الأسلوب