وأما رأيه في الحجاب فأنه يؤخذ من كثير من الروايات أن عمر كان شديد التطلع إلى أن يحتجب نساء النبي صلى الله عليه وسلم تمييزاً لهن عن سائر النساء، وحفظاً لجلال الرسالة وتوفيراً للهدوء النفسي على النبي صلى الله عليه وسلم، وإبعاداً لأسباب الأذى عنه، فكان يقول:(لو كنت أطاع فيكن لما رأتكن عين) ويقول (يا رسول الله: لو اتخذت حجاباً، فإن نساء لسن كسائر النساء)
فنزل القرآن في ذلك تقريراً لما أشار به عمر، وتأييداً لفقهه الذي بني عليه (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء)(وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)
(إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق)(وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب)
وأما الصلاة على من مات منافقاً، فقد روى كثير من المحدثين عن ابن عباس قال: سمعت عمر يقول: (لما توفي عبد الله بن أبي دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه، فلما أراد الصلاة قلت: أتصلي على عدو الله عبد الله بن أبي القائل كذا وكذا، والقائل كذا وكذا، ورسول الله يبتسم، حتى إذا أكثرت قال: يا عمر أخر عني إني قد خيرت، ثم صلى عليه ومشى حتى قام على قبره، قال عمر فعجبت لي ولجرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله والله ورسوله أعلم، فوالله ما كان إلا يسيراً حتى نزل (ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون)، فقد وجهت الآية منع الصلاة على المنافقين والقيام على قبورهم بمثل ما وجه به عمر رأيه: قالت (إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) وقال عمر (أتصلي على عدو الله القائل كذا وكذا؟)
والصنف الثاني من الحوادث التي تجلى فيها فقه عمر، هو الحوادث التي عرف فيها حكم، واتخذت صورة عملية بين المسلمين، وقد كان عمر يغلب في هذا الجانب أيضاً روح الشريعة وعدالتها وتقديرها للمصالح على الصور التي عرفها الناس من قبل، وكما حفظ له العلماء موافقاته حفظوا له كثيراً من هذه المسائل التي كان له فيها رأي غير ما كان معروفاً، واتخذ رأيه صورة عملية أقرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقة منهم بفقهه وعدالته، وأنه لم يحد قيد شعرة عن الحق