كيف فرفت ذلك ولم أزر اليابان، لم أعرف من أوصاف أهلها غير أشياء لا تتصل بأعماق النفوس؟
لو كان لي حظ التعرف بصديقة يابانية لأدركت شيئاً من السريرة اليابانية، على شرط أن أتكلم لغتها الأصلية
اللغات أنفاس، فلا تصدقوا من يزعم أنه صافح روح شاعر وهو يقرأ شعره مترجماً إلى إحدى اللغات، ولا تصدقوا من يتحدث عن بلاد زارها وهو يجهل لغتها كل الجهل أو بعض الجهل، وإنما نصصت على (بعض الجهل) ليفهم ناس من خلق الله أن الذي لا يتعمق في لغة من اللغات لا يجوز له أن يقول إنه يعرف تلك اللغة، فالمعرفة الناقصة أخطر من الجهل لأن الجاهل يقف عند حده فلا يتزيد ولا يستطيل، أما ناقص المعرفة فقد يوهمه الغرور أنه أعلم العلماء، فيؤذي نفسه قبل أن يؤذي الناس
وخطيبتي التي فارقتها بالأمس هي إحدى بنيات لطيفات من اللواتي عرفت في القاهرة أو في باريس، وحالي معها كان عجباً من العجب، فقد رضيت عنها ورضيت عني، مع أن حياتنا سلمت من جميع الأسواء الروحية والوجدانية، في زمان لا تأنس فيه روح إلى روح بمعاقرة الأهواء
كان الزواج هو الغاية التي نريد، وقد كان يجب أن نسارع قبل أن تفضحنا الأقاويل، فما الذي وقع في تلك الليلة الحمراء، وقد سبقته تماهيد؟
بدا لي أن لجاجة العاطفة وصلت إلى أبعد حدود العنف، فرأيت أن أستعير خيالاً من العقل الذي عشت به سنين. وهل بقى لي من العقل إلا طيف من خيال؟
فكرت فيما تمناه لنا خالها العزيز، وقد عاش اثنين وأربعين عاماً وهو سعيد بالزواج. ثم افترضت أن سعادته الزوجية دامت لأنها بنيت على الهدوء، والعاطفة الهادئة تبنى برفق؛ فمالي أتعرض لعاطفة مجنونة الجموح؟ وكيف أسمح لهذه الجنية بأن تزلزل الخيال الباقي من عقلي!