وبعد ساعات كان بطرس وخليل ممتطيين صهوة سلمي فرس عمر، في طريقهما إلى بلدته (عكار). . . وراح قلب العاشق المدنف يناجي طيف محبوبته (جميلة!. . . أين أنت الآن؟ ترى هل يقع بصري عليك بعد اليوم، فأرى عينيك في لون البحر الهادئ تحت أعتاب الجبل، وأرى خديك الناضرين ورقبتك التي في لون العاج، وذراعيك، وشعرك. . . شعرك الجميل. . . إن الطل لا بد قد بلله ليلة أمس، وأنت تحيطين بدن عمر بذراعيك فوق صهوة الفرس وهي تعدو بكما منسابة بين الجبال في الظلام. . . جميلة! جميلة! إنني آتٍ في ظل إثمك أتبعك. . . ألا تسمعيني يا جميلة؟) لكنها لم تسمع، فإن أسوار قصر عمر في (عكار) كانت غليظة وعالية!
وبعد أيام خرجت عكار عن بكرة أبيها إلى الطرقات، وازينت، كي تحتفل بزفاف المارونية التي أسلمت، وكي تراها وهي تعبر شوارع البلدة في هودجها الفاخر يتهادى بها. وبينما كان الركب يخترق أحد الشوارع كان خليل وبطرس واقفين يستعرضانه في صمت وغيظ. وحين مر بهما الهودج وجميلة في داخله تبتسم جذلة، امتدت يد بطرس إلى غدارته، وهم بإطلاقها، لولا أن أقنعه خليل - والدموع في عينيه - بأن يتريث فإنه يريدها حية؟ وارتدت يد الأخ الغاضب لشرفه. ومر الركب بسلام. ومضى التعسان مبتئسين، والحنق يجفف حلقيهما ويضن عليهما بالبكاء
وحين بلغ الموكب القصر، وضم عمر عروسه إلى صدره، كانت ظلال خليل وبطرس قد اختلطت بالظلام الذي يرين على الطريق، حتى إذا كان الغد، عادا أدراجهما إلى قريتهما
ومضت أيام وأسابيع وشهور، والغضب للشرف ما يزال يتأجج في صدريهما وفي صدر الأب الحزين (الشيخ راشد) فإنهم جميعاً لم يكونوا قد طلقوا عزمهم على استعادة جميلة بأي ثمن!
وبعد سبعة شهور من الزفاف، وفي أوائل الربيع، عاد خليل وبطرس ينحدران بين غابات الصنوبر والأرز، في طريقهما إلى (طرابلس)، فقد أتاهما النبأ أن جميلة وعمر قد انتقلا إلى قصر آخر له هناك
ولم يطل بحثهما عن ضالتيهما، فقد اهتديا سريعاً إلى القصر الباذخ، حيث تعيش العاصية،