وإذا ما أملي يوماً مشى ... تائهاً في مهمه العيش السحيق
عاد لما كاد يقضى عطشا ... يحتسي الإيمان من قلبي الرقيق
وإذا الإيمان ولي والرجا أضحي ضرير ... فلينم قلبي إلى أن يُنفخ البوق الأخير!
لقد قلت عني مرة:(وهذا الرجل عينه، من بعد ألف سنة مرت على انعتاقه من حياته المرة، يفتح لي، وللكثير سواي باب منزلة على مصراعيه قائلاً: (تفضلوا وادخلوا) وهذا هو الذي يؤلمني ويقض مضجعي في ظلمات قبري يا صديقي العزيز. . . فلشد ما يضاعف آلامي أن أكون سبباً في هذه البلبلة التي تملأ خيالك وتجعله شروداً هائماً، كما تملأ خيال غيرك من الشعراء الذين تأثروا بي ومشوا على دربي وانتهجوا نهجي. لقد كنت أفكر بآلامي، وكانت الظلمات التي تملأ عيني تتدجى في فؤادي. وكانت زيارتي للاذقية، ولبثي بديرها، فتنة لي وعاصفة في إيماني. . . ولكن ما بالكم أنتم يا شعراء القرن العشرين، ومفكري عصور النور والمدنية، الضاربين بين العالمين القديم والجديد. . . ما بالكم تنظرون إلى الدنيا بأعيننا، وتفكرون فيها بأداة تفكيرنا؟ لقد تكشفت لكم عن مئات من الأسرار التي كنا نجهلها، ونقف منها موقف الحدس، بل موقف التخمين والترجيم. . . فلماذا لا تؤمنون؟ لماذا لا تملأونها نوراً على نور وبهجة على بهجة؟ ثم ما هذا الذي أسمعك تتغنى به:
كحل اللهم عيني ... بشعاع من ضياك كي تراك
في جميع الخلق، في دود القبور ... في نسور الجو، في موج البحار
في صهاريج البراري، في الزهور ... في الكلا، في التبر، في رمل القفار
في قروح البرحي، في وجه السليم ... . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ما هذا الكلام يا أخي. . . ما دود القبور، وما هذا الدود الكثير الذي تملأ به أشعارك، وما صهاريج البراري، وما قروح البرحي؟ أهذا من جملة ما علمتك يا ميخائيل؟ هل فتحت لك بابي لتملأ أشعارك بدود القبور وصهاريج البراري وثروح البرحى! أعوذ بالله يا صاحبي. . . أعوذ بالله!
وهل هذه هي بدائع خلق الله التي تراه في مفاتنها؟ ثم ما هذا التفريط في سلامة العربية يا حفيد الرب الأمجاد؟. . . وكيف تكسو عرائس أشعارك هذه المزق وتلك الأسمال؟ أنظر