الله وكيف آتاهم الله القدرة على إدراك الغيب ومعرفة بواطن الأمور، وما ذهب إليه ابن خلدون في هذه الأمور جميعاً بما يشبه أن يكون نقلاً أو اقتباساً عن إخوان الصفاء. وكذلك ما كتبه ابن خلدون عن النجامة فهو يشبه، إن لم يكن هو، ما قرره إخوان الصفاء من قبل. . . وكم كان يسعدنا أن يتنبه إلى هذه الملاحظة الهامة كتابنا الإجلاء الذين ألفوا عن ابن خلدون. وقد تناول الأستاذ الحصري بالتفنيد ما يذهب إليه بعض العلماء من شعوبية ابن خلدون وحملته على العرب. ولسنا بمعرض مناقشة آرائه الآن، إلا أننا ننبه هنا إلى أن ابن خلدون كان متأثراً في هذه الحملة بما قرأ في رسائل إخوان الصفاء. . . وفي الرسالة الحيوانية مصداق لهذا كله
وقبل أن ننتقل إلى الكلام عن الجزء الثاني لا نرى بد من التنويه بما أفاض فيه الأستاذ الحصري عن نظرية العصبية واتصالها بالاجتماع السياسي، ومناقشته لآراء المؤلفين الأجانب الذين عنوا بابن خلدون بصدد هذه النظرية. إنه فصل يستحق الأستاذ عليه ألف تهنئة
أما الجزء الثاني من هذه الدراسات العميقة القيمة عن ابن خلدون، فلسنا نعدو الحق إذا قررنا أنه خير ما قرأناه هذا العام (١٩٤٤) في المكتبة العربية من نوعه، وإن كنا لا نطيق تأجيل عتبنا على الأستاذ للهجة التي ناقش بها آراء الدكتور طه حسين وخصوصاً تكراره ألفاظ:(ادعى فلان، وادعاء فلان، ويدعي فلان، وحظ أقوال فلان من الحق والصواب. . . ثم التعريض بمعلومات الدكتور العلمية حينما كان يكتب رسالته) إن هذا كله يثبت أن الأستاذ الجليل ساطع الحصري كان متحمساً وهو يكتب مؤلفه الخالد، فأوقعته حماسته فيما لا يناسب سجايا العلماء ولا سيما إن كانوا من طراز الأستاذ الحصري. . . ولندع ذلك الآن. . .
تناول الجزء الثاني الكلام عن التطور التدريجي في الطبيعة والمجتمعات وسبق ابن خلدون إلى إدراك مذهب النشوء والارتقاء قبل داروين بأحقاب طويلة، كما تناول الكلام عن المذاهب الأساسية في علم الاجتماع وما استحدث في هذا العلم من نظريات شتى، وما سبق إليه ابن خلدون من الإلماع إلى هذه النظريات، ثم ينتقل من هذا إلى الدولة وتطوراتها وعمرها واتساع نطاقها، ثم ما قرره ابن خلدون عن الحروب وأصلها والجيوش ومراتبها