هنا ليس كذلك. وما أكثر ما تتعاقب الياء والهمزة في اللغة العربية، لا في باب الإبدال وحده، بل فيما وراء ذلك، فيما لا يندرج تحت تلك القواعد التي عني بتنسيقها وبسطها علماء التصريف. وقد عقد أبو علي القالي فصلاً في أماليه في (ما يقال بالياء والهمزة) إلى كثير غير ذلك من الكلمات التي لا تقع في باب الإبدال الرسمي
ولقد جاء في بعض الآثار الأدبية ما يدلنا على أن الفرق بين ما أصله الهمزة وما أصله الياء لم يكن من الفروق التي تحسها السليقة اللغوية إحساساً قوياً. من ذلك ما جاء في شعر الأعشى على رواية يعقوب بن السكيت:
إذا انبطحت جافي عن الأرض بطنها ... وخوأها راب كهامة جنبل
ويعلق أبو عبيد البكري، في لآليه، على هذا البيت بقوله:(وخوّأها مما همز ولا أصل له في الهمز) ثم يذكر أن الرواية الأصح، لهذا السبب، هي رواية من قال:(وخوّى بها). وهذا، في أكبر الظن، نوع من تحكيم المثل في الرواية، كالذي ذكرناه من تحكيم المثل في النثر
ومثل هذا ما أخذوه على شاعر إسلامي، هو المسعودي، عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، في قوله:
شققت القلب ثم ذرأت فيه ... هواك فليم فالتام الفطور
فقد قالوا إنه أخطأ حين قال (ذرأت)، وكان القياس أن يقول (ذريت) بالياء
وهكذا نرى أن وضع الهمزة موضع الياء ليس من الأخطاء المغلظة التي يجل الجاحظ عنها، أو نأنف له أن يقع فيها، فنزعم ما وقع من ذلك خطأ ناسخ يجب استصلاحه. وما دمنا لا نملك الدليل على أن وضع الهمزة موضع الياء من صنع الناسخ؛ وما دمنا لا نبعد أن يكون هذا من عبارة الجاحظ، فإن ما يقترحه الأستاذ الناقد من وضع (استذريت) موضع (استذرأت) يعتبر نوعاً من تحكيم المثل في النشر
فهذا نوع من المآخذ التي أخذها علينا العلامة الناقد. وهناك نوع آخر يرجع إلى العجلة، أو إلى أخطاء الدقة له، كقوله فيما علق به على قول الجاحظ (ص ١١٠ س ١٧): (لاسيما إن كان مع استبطان الحسد الخ) إذ يقول: (قلت جاءت ولاسيما في هذا الموضع، وفي غيره مجردة من ذينك الحرفين، وأستبعد كثيراً هذا التجريد في كلام المحدثين الأولين، وإن أجاز