وإنما عنانا أن نبطل قول القادحين في النبي أنه عليه السلام بنى ببنت صغيرة لا تصلح للزواج، وقد أبطلنا ذلك بالأدلة التي لا نكررها هنا لأننا في غنى عن هذا التكرير
فإذا جاز مثلاً أن تكون سنها ست عشرة سنة في أيام غزوة بني المصطلق ولم يكن ذلك قولاً قاطعاً لا تردد فيه فسبب ذلك أن عزوة بني المصطلق يتراوح القول فيها بين السنة الرابعة والسنة السادسة، ولا ضرورة لتكرير الشك في عدد السنين كلما عرضت لنا مناسبة لاختلاف التواريخ
إنما هذا هو علم الفهارس والجزازات الذي لا يعنينا ولا نلتفت إليه، ونحن لم يفتنا تحقيقه لأن جمع (٢ + ١٤) عسير علينا أو على جامع أو طارح في أصغر المدارس الإلزامية، ولكننا تركناه للتقدير والترجيح إذ كان القطع فيه غير مستطاع، وإذ كان تكرير الاحتمالات كل مرة عبثاً لا يدعونا إليه داع
وبحسبنا أن نعلم أن عائشة خطبت قبل خطبتها للنبي، وأن الذي خطبت له كان المشركين - بحسبنا أن نعلم هذا لنعلم أنها خطبت قبل الدعوة الإسلامية وأن أبا بكر لن يزوج بنته بعد الدعوة الإسلامية لرجل يكفر بدينة، وهو البرهان الراجح على أنها حين خطبت لمحمد عليه السلام وبني بها بعد الخطبة بسنوات قد كانت في سن صالحة للزواج
تلك هي الحقيقة التاريخية التي تحتاج إلى بحث وتنقيب وموازنة للوقائع والتواريخ. أما (١٤ + ٢=١٦) فهي كما أسلفنا من حقائق الكتاتيب الإلزامية لا من حقائق السوربون ولا من حقائق المدارس التي تجاوزت أوائل دروس الهجاء والحساب
على أن التخطئة في المنطق أصعب من التخطئة في اللغة والحساب، ولهذا كان فهم هذا الدعي وأمثاله لطريقتنا في الاستدلال فهماً يشوبه العي والغباء، كما يشوبه سوء الذوق وسوء التعبير
فنحن لم نقل إن الخطأ بعيد عن السيدة عائشة لأنها مؤمنة بالله ونبيه، فهذا دليل رخيص لا نتنزل إليه ولا ندين أحداً به ولو كان من المسلمين. وما قال أحد أن المؤمن معصوم من الخطأ وقد طال البحث بين أناس في عصمة الأنبياء
كلا. نحن لا نعتمد يوماً من الأيام على دليل يقبله المسلم ويرفضه غير المسلم، ولا على دليل يأخذه من يشاء ويرفضه من يشاء، ولو أجزنا ذلك لأنفسنا لأثبتنا آيات القرآن الكريم