وانفتحت النوافذ على مصاريعها، وهرع الناس من مساكنهم وتدفعت الغوغاء في طريقها لا تربع على شيء، وانطلق رواد مسرح (بنش) برمتهم - والرواية في أدق مواقفها - فالتحقوا بالجموع المتدفقة، وضاعفوا من صدى الصيحات المتصاعدة، وأمدوا الصرخة الرهيبة:(أوقفوا اللص!) بقوى ناشطة جديدة
أوقفوا اللص، أوقفوا اللص! يبدوا أن هنالك رغبة في (مطاردة شيء ما) متغلغلة في نفس كل إنسان! وهاهو ذا طفل بائس مبهور الأنفاس يلهث من فرط الإعياء، قد ارتسم الجزع في نظراته، وبانت سكرة الموت في عينيه، وسالت قطرات من العرق كبيرة على وجهه - يرهق كل عصب من أعصابه ويستدر كل وتر من أوتار قوته، لينجو بحياته من براثن مطارديه
ولكنهم، في تعقبهم إياه وازدلافهم نحوه في كل لحظة، كانوا يبتعثون بصياحهم مذخور نشاطه ويستنهضون بهتافاتهم مخذول قواه وهم يصيحون من خلفه في حماسة ومرح: أوقفوا اللص!
أجل أوقفوه - نستحلفكم بالله - فذلك عين العطف عليه والرحمة به
وأخيراً وقف! ويالها من لطمة بارعة! لقد انكفأ على الإفريز ساكناً لا يختلج، وأحاطت به الجموع في لهفة وتطلع؛ وكان كل قادم جديد يزاحم الآخرين ويدفعهم كيما يحظي بنظرة
(تنحوا جانباً). . . (دعوه يتنفس قليلاً). . . (هذيان! ما هو بجدير أن يشم هذا الهواء). . . (ألا أين السيد؟). . . (هاهو ذا قادم من أقصى الطريق). . . (أفسحوا الطريق يا من هنالك للسيد!)(أهذا هو الغلام يا سيدي؟)(نعم)
وكان أوليفر مطروحاً على الأرض وقد لطخه العثير والطين وانبثق الدم من فمه غزيراً. وراح يجيل عينيه فزعاً مرعوباً في كتلة الوجوه التي أحدقت به من كل صوب. وتقدم رؤساء المطاردين بالسيد شاقين له دائرة الجمع الحاشد، حتى أوقفوه في المقدمة، فعاد يقول: نعم، أخشى أن يكون هو
وهمهم الواقفون: تخشى؟ عجيب منك هذا القول. . .
وعاد السيد يقول: يا للطفل المسكين، لقد أصاب نفسه!
فقال شاب ضخم متبلد - وهو يخطو إلى الأمام قليلاً - بل أنا الذي أصبته يا سيدي، لقد