عامدين. . . لأننا مهما قصدنا في إطراء هذا القلب النابض الذي أبدع لنا ذلك الشعر دون أن نعرض تلك النماذج القليلة، فربما ظن ظان أننا نغلو فيما يذهب إليه من أحكام. . .
والعظيم في هذا الشعر أن أكثره مما سبق إليه ناجي وابتدعه ابتداعاً. . . فالشهيد المتواري في الضلوع، والقلب الذي يحرقه الشاعر من سنا حبيبه على جماله المضطرم، فهو كالفراشة تحو إلى هذا الحبيب؛ وهذه الشمس الغاربة في اليم بين السحب شبه الجرح في القلب الوامق؛ ثم هذا البيت الفريد:
ومن عجب أحنو على السّهم غائراً ... ويسألني قلبي متى يرجع الرامي!
هو ما يعدل ألف بيت من جيد الشعر عند من يقدرون الشعر؛ ثم هنا المحب الذي ينتظر حبيبه فيلمحه آتياً بضمير قلبه؛ ثم هذا الأحاديث التي يتحدثها القلب، ثم هذا القلب الذي يسبق صاحبه للقاء الحبيب:
أمد يديّ في لهف إليه ... أشاكيه بمحتبس الدموع
فيسبقني إلى لقياه قلبي ... وثوباً. . . ثم يبرد في ضلوعي!
ثم هذا القلب الذي يطهره الحب حتى لا يكون من هذه الأرض؛ وامتلاء العروق بالحنين بدل الدماء التي تتدفق من القلب؛ واقتيات القلب بالأمل المطعون وقد خاب رجاؤه. . . ثم هذا الفؤاد الذي هيض جناحه ومضى الحمام يدب فيه حتى إذا جرت ذكرى الحبيب طار إليه بجناحين قويين فتيين!
كل هذا وذاك من ثروة الشعر التي ينطوي عليها قلب ناجي والتي يجود بها سهلة هينة لينة في غير تكلف ولا تعقيد
وللدم من حب ناجي ومن خياله وشعره نصيب عظيم. ألم نقل إن الشعر إن لم يكن في دم الشاعر فلن يكون في لسانه إلا كما يكون الصفير في فم الببغاء؟
اسمع إليه يقول وقد صافح حبيباً:
أهاب بنا فلبِّينا ... مناد ضمِّ روحينا
كأنا إذ تصافحنا ... تعانقنا بكفيْنا
كأن الحب تيار ... سرى ما بين جسمينا
يؤجج في نواظرنا ... ويشعل في دماءينا!