وأنا إلفك في ظل الصبا ... والشباب الغض والعمر القشيب
أنزل الربوة ضيفاً عابراً ... ثم أمضي عنك كالطير الغريب!
وفي أول هذا الوداع يقول:
حان حرماني وناداني النذيرْ ... ما الذي أعددت لي قبل المسيرْ
زمني ضاع وما أنصفتني ... زاديَ الأول كالزاد الأخير
رِي عمري من أكاذيب المنى ... وطعامي من عفاف وضمير
وعلى كفك قلب ودم ... وعلى بابك قيد وأسير!
والصورتان اللتان يحملهما البيت الأخير من أخلد الصور في الشعر العربي!
وإليك هذه الصورة:
يا مناجاتي وسري ... وخيالي وابتداعي
ومتاعا لعيوني ... وشميمي وسماعي
تبعث السلوى وتنسى الموت مهتوك القناع:
دمعة الجزن التي تسكبها فوق ذراعي!!
فما أبدع هذا التصوير الرمزي في البيت الأخير أيضاً
ويصور الحنين فيقول:
أبغي الهدوء ولا هدوء وفي ... صدري عباب غير مأمونِ
يهتاج إن لح الحنين به ... ويئن فيه أنين مطعون
ويظل يضرب في أضالعه ... وكأنها قضبان مسجون!
ويقول فيه أيضاً:
ويح الحنين وما يجرعني ... من مُرْه ويبيت يسقيني
ربيته طفلاً بذلت له ... ما شاء من خفض ومن لين
فاليوم لما اشتد ساعده ... وربا كنوار البساتين
لم يرض غير شبيبتي ودمي ... زاداً، يعيش به ويفنيني!
كم ليلة ليلاء لازمني ... لا يرتضي خلاًّ له دوني
ألفى له همساً يخاطبني ... وأرى له ظلاً يماشيني