الرسائل والكتب، عند العرب، فكيف يمكن أن يكون من عند الله؟ إن هذا الرجل بين أن ينكر القرآن أو أن ينكر (نظريته) في نشأة النثر الفني، كما يسمي فرضه الذي افترض، ليس له عن أحدهما محيص
وإن أردت مثلاً آخر فاقرأ له قوله بعد ذلك:(القرآن شاهد من شواهد النثر الفني ولو كره المكابرون. فأين نضعه من عهود النثر في اللغة العربية؟ أنضعه في العهد الإسلامي؟ وكيف والإسلام لم يكن موجوداً قبل القرآن حتى يغير أوضاع التعابير والأساليب!) ارأيت استدلال الدكتور البحاثة على وجوب وضع القرآن في العهد الجاهلي؟ الإسلام لم يكن موجوداً قبل القرآن حتى يمكن أن ينسب القرآن إلى العهد الإسلامي، وإذن فالقرآن كان موجوداً قبل الإسلام ما دامت نسبة القرآن إلى العهد الإسلامي غير ممكنة! هذه هي نتيجة منطق الدكتور. وهذا طبعاً يستلزم أنه يفرق بين القرآن وبين الإسلام، إذ لو كان القرآن والإسلام شيئاً واحداً عند الدكتور لكان القياس الذي بنى عليه حجته السابقة هو أن القرآن لم يكن موجوداً قبل القرآن، وإذن فلا يمكن أن ينسب إلى العهد القرآني! وهو قياس كما ترى لا يليق أن ينسب إلى دكتور
وللدكتور دليل آخر على أنه (لا مفر إذن من الاعتراف بأن القرآن يعطي صورة صحيحة من النثر الفني لعهد الجاهلية) ذكره في قوله عقب ذلك (وفي القرآن نص صريح على أن الرسول لا يرسل (إلا بلسان قومه ليبين لهم) وتلك إشارة نلوح بها لمن لا يكفيهم المنطق، وإلا فكيف يعقل أن يحدث النبي قومه بما ينبو عن أذواقهم وإفهامهم، وهو رجل مسئول لا يستطيع أن يقصد إلى الأغراب في الألفاظ والتعابير، أو قهر اللغة على الالتواء عما ألف العرب من طرائق البيان) ص ٣٩
وملخص هذا الدليل أن القرآن صورة صحيحة لنثر الجاهلية الفني لأن المشركين كانوا يفهمونه ويستسيغونه. ولازم هذا إن صح، أن الجاهليين لم يكونوا ليفهموا ولا ليستسيغوا نثر ابن سلام والجاحظ، ولا نثر سهل بن هارون وعبد الحميد وابن المقفع، ولا نثر الخوارزمي وابن عباد وابن العميد؛ بل ولا شعر جرير والفرزدق والأخطل وبشار وابن الرومي والبحتري، لأن شعر هؤلاء ونثر أولئك إسلامي لا جاهلي، فإذا هم فهموه واستساغوه كان في منطق الدكتور جاهلياً لا إسلامياً، كأن تعريف الأدب الإسلامي عند