الدكتور هو ما لا يمكن أن يفهمه أو يستسيغه الجاهليون!
لكن عد عن هذا وارجع إلى تلك القطعة من كلام صاحب النثر الفني ففيها ما هو أهم من هذا كله في ما نحن بصدده. اقرأ قوله:(وإلا فيكف يعقل أن يحدث النبي قومه بما ينبو عن أذواقهم وإفهامهم)، وامض إلى آخر القطعة، ولاحظ استبعاده أن يقصد النبي إلى الأغراب أو قهر اللغة على الالتواء عما ألف العرب، واذكر أن هذا كله قاله صاحب النثر الفني في مقام الكلام عن القرآن وموافقته لغة العرب. ألا ترى أن ذلك القول منه أقرب ما يكون إلى التصريح بأن القرآن من كلام النبي، حدث قومه به وتجنب فيه الأغراب عليهم في الألفاظ والتعابير ولم يقهرها عما يألفون؟ إن الرجل صاحب رأي في القرآن، ويأبى هذا الرأي إلا أن يظهر فيما يكتب وما يسوق من استدلال
ويمضي الرجل إلى آخر الشوط في استنتاجه من فرضه الذي افترض من أن القرآن (أثر جاهلي) فيزعم للعرب في الجاهلية (نهضة علمية وأدبية وسياسية وأخلاقية واجتماعية وفلسفية) كان الإسلام تاجاً لها، أي أن الإسلام كان نتيجة وتماماً لتلك النهضة لا سبباً لها. اقرأ تعليله بعد إن شئت:(لأنه لا يمكن رجلاً فرداً مثل النبي محمد عليه السلام أن ينقل أمة كاملة من العدم إلى الوجود ومن الظلمات إلى النور ومن العبودية إلى السيادة القاهرة، كل هذا لا يمكن أن يقع من دون أن تكون تلك الأمة قد استعدت في أعماقها وفي ضمائرها وفي عقولها بحيث استطاع رجل واحد أن يكون منها أمة متحدة وكانت قبائل متفرقة، وأن ينظم علومها وآدابها بحيث تستطيع أن تفرض سيادتها وتجاربها وعلومها على أجزاء مهمة من آسيا وأفريقيا وأوربا في زمن وجيز. ولو كان يكفي أن يكون الإنسان نبياً ليفعل ما فعله النبي محمد لما رأينا أنبياء أخفقوا ولم يصلوا، لأن أممهم لم تكن صالحة للبعث والنهوض)! فانظر إلى صاحب هذا الكلام كيف يسوي بين الأنبياء في كل شيء وبين الأديان، وكيف يرد نهضة العرب بعد الإسلام لا إلى النبوة والرسالة وما أنزل الله على الرسول من دين، ولكن إلى علوم وآداب وتجارب كانت عند العرب كل ما فعله النبي هو أن نظمها حتى استطاع أهلها أن يسودوا في القارات الثلاث في زمن وجيز! وتاريخ نشأة العلوم والآداب في الأمة العربية بعد الإسلام معروف، كما أن مقاومة العرب للنبي ودعوته ومحاربتهم له ولها معروفة، لكن الرجل ينكر التاريخ، ويفتري تاريخاً آخر، ويزعم زعماً لا يجوز ولا