ولابد أن تهمد، هلك الناس، ففقدت الأرض ذلك الفكر المدرك المضيء في ظلمات لياليها، وهو (لعمرابيك) خير ما فيها، لا بل هو كل ما فيها كما يقول العلامة (بوانكاريه). وإنه ليعزى الحكماء (يا فتى) أن الأجل بعيد جد بعيد، وأن حياة تستمر في غير الكرة الأرضية في سيارة من هذه السابحات في الفلك. ولكل قطين سيارة أجل، والدنيا دول.
الفلاحون
قرأنا في عدد ١٧ أبريل من مجلة الرسالة الغراء تحت هذا العنوان كلمة نقد جد مقتضبة وجهها الأديب (د. خ) إلى كتاب (الفلاحون) الذي ألفه حضرة الأب المحترم الدكتور هنري عيروط ونقلناه ونحن أخيراً إلى العربية. وقد رمى هذا الناقد مؤلف الكتاب بأنه يجور أحياناً ووصف الترجمة بأنها ركيكة وأن أسلوبها يميل إلى العامية ويجافي العربية السليمة، بله العربية الفصحى
فأما عن المؤلف فقد كنا نحب أن ينبئنا كاتب الكلمة بمواضع جوره وعلى من وقع هذا الجور، أعلى الفلاح وقد بذل قصارى جهده في الدفاع عنه؟ أم على بقية الطبقات الأخرى التي تشقى الفلاح أو لا تنقذه من شقائه وهو في الحقيقة لم يوفها ما تستحقه من لوم وتعنيف؟
على أنه قد قرظ هذا الكتاب أربعة وثمانون من أفاضل العلماء والكتاب في أربع وثمانين مجلة وصحيفة محترمة في أوروبا وأمريكا والشرق فلم يلاحظ عليه أي واحد منهم أنه كان جائراً على أحد. ولسنا في هذا نغالي أو نلقى الكلام على عواهنه، بل لدينا جميع هذه المقالات، وهي تحت تصرف من يريد الاطلاع عليها
وأما عن الترجمة والتجائنا فيها أحياناً إلى استعمال بعض الكلمات العامية مما قد يبدو أمام بعض القراء أنه انعطاف نحو الأسلوب العامي أو مجافاة للغة السليمة، بله الفصحى كما يعبر حضرة الكاتب، فهذا مسلك فرضته علينا طبيعة الموضوع الذي عالجه كتاب (الفلاحون) على نحو ما كان موليير يفعل في مسرحياته إذا روى أحاديث الخدم والعوام. وليعلم حضرة الكاتب أن هذه الطريقة كانت إحدى دعائم مجد ذلك الشاعر الفرنسي العظيم كما أنه ينبغي أن يعلم أيضاً أن ذلك الأسلوب الذي صغنا فيه ترجمة ذلك السفر هو ما يدعى بروح الانسجام أو مطابقة مقتضى الحال