ومن آيات صحة هذه الدعوى أننا لم نسلك هذا النهج في أي كتاب من كتبنا الأخرى، لأن موضوعاتها لا تمت إلى العامة بأية صلة
نحن إذاً، قد استعملنا الجلبية واللبدة والطاقية والملاية والبلغة وما شاكل ذلك عامدين ونزلنا إلى مستوى الفلاح وجارينا أسلوبه قاصدين. ولهذا لم تكن تلك العبارات أخطاء لغوية ولا مجافاة للغة السليمة كما خيل إلى الكاتب
على أننا نعود فنصرح بأن إطلاقنا على تلك السطور لفظة نقد فيه شيء يسير من التجوز، لأن النقد يجب أن يكون مدعماً بالبراهين والحجج. أما أن يسمع حضرة الكاتب أن المؤلفين الذين يكتبون باللغات الأجنبية عن مصر أو عن الشرق يجورون في كتاباتهم فيرمي مؤلف كتاب (الفلاحون) بأنه جائر، وإما أن يقرأ الولولة التي ترجمناها بالعامية قصداً في آخر ذلك السفر، ويلمح بعض العبارات التي تعمدنا أن تكون كذلك فيحكم بأن الأسلوب متجاف عن العربية السليمة، فهذا نسق لا يسير بالنقد إلى الأمام ولا ينتج في الحركة الأدبية خيراً يرجى.
محمد غلاب
أدب ثالث
إن صح أن في مصر أدباً للشيوخ الذين رسخت مكانتهم في النفوس واستفاضت شهرتهم في الآفاق حتى جثموا كالقشاعم في القنن الشواهق، وأن فيها أدباً للشباب وقد هبوا إلى مجاني الأدب ومغانيه كالفراش على الأزاهير حالمين ببعد الصيت مرفرفين على الأغصان كالعصافير - فإني لأرى بين هؤلاء وأولئك أدباً طريفاً قد توسط فلم يشب فوداه كالشيوخ، ولا لأن عوده كالشباب، وعند هذا الضرب من الأدب ينبغي أن تتألق نهضة وتقوم للفن مدرسة بعيدة عن الشطط وسليمة من الغلط لأنها من خير الأمور
والأستاذ عبد الرحمن صدقي يمثل اليوم هذا الأدب المستحب. عرفت قلمه من عهد بعيد، يجول بلا صخب وينساب بغير تحبس. لقد استهواه أدب الغرب فثافن إلى صحفه وأسفاره ونهل من موارده العذاب، ثم أخذ يمتاح منها طرفاً جلاها في معارض عربية، لم يتكلف في ترجمتها أسلوباً ولا تصنع لفظاً، بل انطلق فيها على نسق من السهولة والسلاسة فاستطاع