فإذا قرأت له من صفحة ٦٠ (فإن القرآن يسجع أحياناً ولكنه لا يلتزم السجع، لذلك نجا من التكليف والابتذال) عجبت لهذا الكاتب المدعي البصر بالفصاحة والبيان، كيف لم يجد ما يقوله في سجع القرآن إلا أنه نجا من التكلف والابتذال! وهو ثناء يشبه الذم لو أنه قيل في سجع أحد الفصحاء مثل ابن العميد الذي يستحسن صاحب الكتاب سجعاً له كل الاستحسان (صفحة ١٥٧)، فكيف به وقد قيل في القرآن
ولعلك لاحظت أنه حين (نجى) القرآن من التكلف والابتذال في السجع رد ذلك إلى أنه يسجع أحياناً، أي إلى قلة السجع لا إلى السجع نفسه. فإذا قرأت له قول من صفحة ٦٥ (ولو تركنا المشكوك فيه من الآثار الجاهلية، وعدنا إلى نص جاهلي لا ريب فيه وهو القرآن، لرأينا السجع إحدى سماته الأساسية) لعجبت لهذا الرجل كيف يكتب. ألم يقل قبل إن القرآن يسجع أحياناً؟ فكيف يجعل السجع الآن إحدى سماته الأساسية؟
ومثل آخر من إنزاله القرآن منزلة كلام البشر قوله من نفس الصفحة (والقرآن نثر جاهلي، كما أوضحنا ذلك من قبل! (والتعجب من عندنا لأنه لم يوضح بأكثر مما قدمنا لك) والسجع فيه يجري على طريقة جاهلية حين يخاطب القلب والوجدان. ولا ينكر متعنت أن القرآن وضع للصلوات والدعوات ومواقف الغناء والخوف والرجاء سوراً مسجوعة تماثل ما كان يرتله المتدينون من النصارى واليهود والوثنيين ولا تنس أن الوثنية كانت ديناً يؤمن به أهله في طاعة وخشوع، وكانت لهم طقوس في هياكلهم. وكانت تلك الطقوس تؤدي على نحو قريب مما يفعل أهل الكتاب من النصارى واليهود)!
أفترى هذا الكلام يحتاج إلى تعليق؟! أم هل تريد كلاماً أوضح وأدل على رأى هذا الأفاك؟ إذن فاقرأ له ما قال بعد ذلك:(والقرآن وضع لأهله صلوات وترنيمات تقرب في صيغتها الفنية مما كان لأهل الكتاب من صلوات وترنيمات، والفرق بين الملتين يرجع إلى المعاني ويكاد ينعدم فيما يتعلق بالصور والأشكال. ذلك بأن الديانات الثلاث الإسلام والنصرانية واليهودية ترجع إلى مهد واحد هو الجزيرة العربية. فاللون الديني واحد، وسورة الأداء تكاد تكون واحدة)! فقد رأيت الآن! لقد صارحك صاحب النثر الفني بذات نفسه، لا عن القرآن فقط وتقليده حتى الوثنيين في الصورة والشكل، ولكن عن الأديان الثلاثة كيف أنها كلها