ولما كان الغرب بوصفه الحاضر عاملاً فعالاً مع شخصيتنا العربية الحاضرة، ولا مناص لنا من تفاعل هذين العاملين، فقد وجب علينا أن نفهم الغرب حق فهمه وندرك كنهه حتى نحسن مواجهته ونأخذ له أهبته ويكون اتصالنا به على ضوء وبصر وعلم لا عن صدف طارئة. ومن الخطر أن تأخذ البلاد العربية روعة وتعروها هزة بمظاهر الغرب الخلابة حتى ولو كان ذلك في سرعة السيارات وعجيب صنع الأدوات. . . فإن وراء ذلك نظاماً اقتصادياً لا شك سيبقى في جوهره النظام السائد في المستقبل. والدكتور زريق يدعونا إلى إدراك هذا النظام الذي يمتاز بالتنظيم الدقيق الذي يؤلف بين أجزائه، وأخذنا من محاسنه وتجنبنا عيوبه التي كانت تحت اختبار الغربيين
والحق أن الدكتور زريق متأثر بهذا (التنظيم) حتى في طريقة تأليفه. . . فكتابه - كما يقول أحد المعجبين به - لا يعدو أن يكون مسائل متفرقة يعرفها الرجل الواعي منا، وتخطر على باله حين يغشى مجتمعاً أو يركب سيارة أو يقرأ كتاباً أو يشاهد أحوالاً. . . ولكن الدكتور زريق جمع هذا المسائل (ونظمها) تنظيماً جعل منها وحدة متماسكة الأطراف، وأخرج منها كتاباً لا تحس فيه تفككاً أو تصيداً لفكرة أو اجتلاباً لمعنى ولكنك تراه مترابطاً محكما متسلسلاً
وليس مثل هذا التنظيم في الدرس سهل المأتاة على كل من حاوله. فكثيرون منا تضطرب الأفكار في خواطرهم وتزدحم على نفوسهم، ولكنهم يستطيعون أن يؤلفوا بينها ويصنفوها في كتاب يفضي كل سطر منه إلى تاليه، ويؤدي كل فصل منه إلى تابعه، كما في كتاب (الوعي القومي)
ولم يجعل المؤلف مهمة الإيقاظ للوعي القومي حبساً على رجال السياسة وأصحاب الحكم. بل كل فرد من أفراد الأمة يستطيع أن يساهم في الألفاظ مهما كان عمله، ومهما كان مركزه، وذلك جميل من المؤلف، فإذا كان الأفراد جميعاً يحملون ألم سوء الأحوال، ويشتركون في التنبيه على ما يعود عليهم بأحسن الفوائد وأجزل العوائد؟
فاشتراك أفراد الأمة في الإيقاظ جائز بل واجب على شرط أن تنعدم الأثرة كما يردد الأستاذ ساطع الحصري، وينعدم التمرد والعصيان على رأي البروفيسور كامبانياك
وللدكتور زريق على أستاذيته الجليلة في جامعة بيروت هو معلم من الطراز الأول؛ فهو لا