٩ - والتصوف عنده (ليس زهداً وعبادة، وإنما هو فكرة ونزاهة، يتساوى فيه الترهب والخلاعة، ويتلاقى فيه التزمت والدعارة، لأن الله في مذهب وحدة الوجود يعرف بكل ما في الكون، وأن كل ما في هذا الكون حق عند أهل وحدة الوجود، فلا أدل عليه من آثاره، ولا أهدي إليه من ساطع أنواره، وليس وضع الرجل جبهته على الأرض ساجداً لله، بأدل على الله من انكبابه على حليلته (بحروفه من ص ٨٥). وأكثر من هذا، إذا رأى الصوفي في أي نوع من لذات الدنيا وشهواتها ما يفتح له باباً من أبواب المعرفة لم يتأخر أن يطرق بابها، ويفك عيابها، ويلبس ثيابها. . . كيف لا وقد استوت عنده المتضادات، واجتمعت الملذات بالمذلات، وإنما الأعمال بالنيات؟! وكيف يذمون الدنيا وقد أودع الله حبها في الغرائز، وساوى في محبتها بين الشواب والعجائز. (بحروفه وثمة أشد منه ص ٨٤)
١٠ - وهو يكفر البعث، وربنا آمن بالتناسخ - أو عودة الكائنات بأمثالها لا بأعيانها - ولكنه مع ذلك يعترف بفائدة الإيمان بالبعث، وما يتصوره المؤمن من الحساب، فيمتنع عن الشرور ويقبل على الخيرات. (والذي أراه (في البعث أنه معتقد صرف لا يقوم إلا بالإيمان، وأن ليس للعقل فيه مجال، ولا يخفى أن الإيمان بالغيب يتسع لأكبر منه وأبعد، ولم تقم لنا عليه في الحجج الدينية حجة أعظم من قياسه على النشأة الأولى، ولا يخفى أنه قياس مع الفارق بعيد جداً، لأن النشأة الأولى إنما وقعت على وجه من أسباب النشوء موافق لسنة الله في خلقه، وليس كذلك النشأة الأخرى. نعم! نحن في عالم الكون والفساد ومن الممكن عقلاً أن تعود الأشياء الفاسدة أو الهالكة في هذا العالم إلى كونها الأول، ولكن بأمثالها لا بأعيانها، فإن عودتها بأعيانها مستحيل، ومن العبث إقامة الأدلة العقلية على أمور لا تقوم إلا بالإيمان في جميع الأديان، وليس الدين إلا بالإيمان في جميع الأديان، وليس الدين إلا إيماناً بالعيب، كما جاء في القرآن (يؤمنون بالغيب)، فالإيمان بالغيب هو أساس الأديان كلها (!)(ص ٣٦)
(وكما ينكر الرصافي البعث على الصورة التي نؤمن بها، فكذلك ينكر الثواب والعقاب، ما دام الله - أو الكون الكلي - هو الأخذ بناصية كل شيء، وما دام كل ما يقع في الوجود إنما يقع حسب قوانين لا يمكن الإفلات منها (الجبر المطلق!) وإذا كان ذلك كذلك فلا معنى