أنص على ظاهرة خطيرة، ظاهرة مؤذية تزلزل المجتمع الإسلامي من حين إلى حين، وهي تتمثل في غرام الجاهلين بالغض من عقائد المثقفين، ليقولوا إنهم وحدهم أهل الإيمان، وليعزوا أنفسهم عن جهلهم البغيض، وتلك تعزية كانت تنفع في الأيام الخوالي، ولكنها اليوم أضيع من الضياع
كنا نجد في عبارات المؤرخين عند التعرض لأحد المفكرين أمثال العبارة الآتية:
(وكان غفر الله له يُتَهم بالنظر في العلوم العقلية)
فهل تبقى هذه العبارة وأمثالها على ألسنة بعض الخلق في هذا العهد؟
وأنا أوجه الأسئلة الآتية إلى من يدعون التفرد بالغيرة على الدين الحنيف:
إذا عجز الإسلام عن غزو قلوب المثقفين فإلى من يصوب سهامه الروحية؟
وإذا صح أن الإيمان الحق هو إيمان العجائز فما هو مصير أهل الشباب والعافية؟
وإذا كان الجهل بشيراً بصحة العقيدة، فما الموجب لإنشاء المعاهد العالية؟
أتريدون الحق؟
الحق أني لن أيأس من أن يظفر المثقفون بمكانتهم في المجتمع الإسلامي، فقد نزعنا راية الإسلام من أيدي الجهلة، وصار إلى أقلامنا المرجع في شرح أصول الدين، والمسلمون كلهم يشهدون بأن أقلامنا هي التي تبصرهم بجمال الشريعة الإسلامية، وجمال اللغة العربية، والله يؤتى الحكمة من يشاء
أقلامنا هي التي تشرح دقائق الأدب العربي، وسرائر الدين الإسلامي، ولن نترك هذه الميادين للجاهلين، ولن نرحم أعمارهم التي تضيع في اتهامنا ظلماً بالزيغ والإلحاد
وإذا ألحدنا فمن يؤمن؟
أيومن الجاهلون وقد حجبهم الجهل عن الإيمان؟
على أنفسهم فليبكوا، إن كانوا صادقين، فما فوق غفلتهم غفلة، ولا فوق جهلهم جهل، وهم حطب جهنم، ولكنهم لا يشعرون
الإسلام دين العقل، لا دين الجهل، ونحن بفضل الله ومشيئته ورعايته أنصار هذا الدين، ولن يتلقى المسلمون مبادئه إلا عن أقلامنا، فليرحم نفسه فلان الفلاني، وليطمئن إلى أن متاعبه في محاربتي لن تنال مني إلا بقدر ما تنال النمال في نسف الجبال