للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بالابتعاد عن المؤيد؛ والسلطان لا يزداد إلا تقرباً منه وتعلقاً به، وكلما مرت الأيام ازداد السلطان حباً لأستاذه وإعجاباً به، حتى قال الناس إن السلطان لا يقطع بأمر إلا بعد استشارة المؤيد؛ واعتقد المؤيد نفسه أن السلطان أصبح طوع أمره وأنه لا يخالفه في شئ فانتهز المؤيد هذه الفرصة وأخذ في تهجين الشراب والخلاعة للسلطان فأغضب ذلك جماعة الندماء الذين حول السلطان فانضموا إلى أعداء المؤيد وأجمعوا أمرهم على الإيقاع به والعمل على إبعاده عن السلطان حتى لا يستأثر به من دونهم، فأخذوا يحيكون الدسائس ويدبرون المؤامرات حتى نجحوا في مكائدهم وأظهر السلطان موجدته على المؤيد فأمر بقطع المجالس الليلية، وعدم السماح للمؤيد بدخول المجلس السلطاني. في هذا الوقت أي في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة تولى أبو منصور هبة الله الفسوي الوزارة لأبي كاليجار، وكان هذا الوزير الجديد من أشد الناس بغضاً للمؤيد، ومن أشد الناس نقمة على الشيعة عامة والمذهب الفاطمي خاصة، فكسب أعداء المؤيد بهذا الوزير الجديد ركناً مكيناً يأوون إليه وعضداً قوياً يعتمدون عليه في الإيقاع بالمؤيد؛ فالتفوا جميعاً حول الوزير يتلقون منه ما يحيكون به الشراك للمؤيد حتى كانت قصة مسجد الأهواز التي استغلها هؤلاء الأعداء في اقتلاع المؤيد من فارس بأسرها، أما هذه القصة فتلخص في أن المؤيد سافر إلى الأهواز لزيارة شيعته ورجال دعوته، وهناك احتوى على مسجد مهدم فأمر أتباعه بتجديد عمارته وكتب على محرابه اسم النبي الكريم (ص) وأسماء الأمة الفاطميين من علي بن أبي طالب حتى اسم المستنصر بالله وأمر دعاته بالأذان (بحي على خير العمل) ولم يكتفي بذلك بل أقام الخطبة باسم المستنصر الفاطمي. فأثار عمله هذا ثائرة الناس بالأهواز وقامت ضجة بالمدينة من أنصاره المهللين وأعدائه المستنكرين والناس في عجب من أمر هذا الرجل الذي استطاع أن يقيم دعوته ظاهرة مكشوفة في بلد يدين بمذهب يخالف مذهبه حتى أن قاضي الأهواز اضطر إلى أن يرسل إلى الخليفة العباسي ببغداد ينعى الخلافة العباسية، وينعى مذهب الجماعة والسنة وهول في القضية إن ترك المؤيد طليقاً حراً، ووجه لوماً عنيفاً للسلطان أبي كاليجار لأنه احتضن هذا الرجل مدة من الزمان، وفي ختام خطاب القاضي نصيحة للخليفة العباسي بأن يداهن أبا كاليجار حتى يسلمه المؤيد وإلا حلت الدعوة الفاطمية بالبلاد بدلاً من الخلافة العباسية

<<  <  ج:
ص:  >  >>