للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولم يكن رحمه الله ذا اهتمام كبير بأسباب النزول، بل كان يعتمد في فهم المعنى وربط الآيات على ما يفيده الموضوع وترشد إليه الألفاظ والأساليب، حسب المعهود من اللسان العربي المبين

هذه هي طريقة الشيخ عبده في تفسير القرآن، عرفناها واضحة جلية مما كتبه بنفسه كتفسيره لجزء (عم يتساءلون)، الذي فرغ منه كما يقول في آخره - منتصف الساعة السادسة بعد الظهر من يوم الأحد ٢٣ أغسطس سنة ١٩٠٣ في مدينة جنيف من بلاد سويسرا، وكتفسيره لآيات خاصة تفنيداً لشبه أثارتها، عند خصوم الإسلام، مكانة الجمود والرواية من التفسير. وما دونه عنه تلميذه البار السيد رشيد رضا، وهو من أول القرآن إلى قوله تعالى في سورة النساء: (ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن)

لم يكن الشيخ عبده من هؤلاء الذين يقترحون ويدعون إلى ما اقترحوا دون أن يكون منهم أسوة عملية تشق للناس طريق ما يقترحون، بل كان رحمه الله عملياً قبل كل شيء، فلم يدع فرصة في حضره أو سفره تمر حتى يلقي فيها دروس التفسير على طريقته ومنهاجه. وقد واظب على ذلك في دروس متتابعة ظل يلقيها بالأزهر نحو سبع سنين، وكان يحضرها كثير من علماء الأزهر والنابهين من طلابه، ويحضرها الكبراء من رجال الدولة والتفكير، حتى أحدث في الأزهر حركة فكرية حادة لفتت أنظار العلماء والمشتغلين بالمسائل الإسلامية في الشرق والغرب إلى الأزهر وإلى الإسلام

بهذا مما ذكرنا وبغيره مما لم نذكر كان الشيخ عبده هو المجدد الإسلامي العظيم للقرن الرابع عشر من الهجرة، له نمطه المعروف وفكرته الواضحة التي أسهر لها ليله وأضنى بها جسمه، وتعرض في سبيلها لحقد الحاقدين وكيد الكائدين، ثم لبى دعوة ربه معتزاً بما لم يترك سواه من علم وإصلاح

وإذا كانت تعاليم الشيخ عبده قد أثرت من نصف قرن مضى في التفكير الإسلامي تأثيراً قوياً؛ فإن المخلصين للأزهر لا يزالون إلى الآن يرجون أن يسرع الأزهر في الاقتراب من هذه التعاليم، وأن يجعلها من أسس دراسته وأساليب تفكيره ولا بد أن يقترب الأزهر - وهو معقل الدين - من طريقة الشيخ عبده مهما طال الأمد. لأنها طريقة السلف الصالح التي فهم بها الدين وعز جانبه، وآخر هذا الدين لا يصلح إلا بما صلح به أوله

<<  <  ج:
ص:  >  >>