للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتلك الفقرة لا معنى لها، وهذا الشطر لا خير فيه، حتى إذا كنت قد كونت لنفسك رأياً في الشاعر قبل أن تقرأ هراء الناقد. وحتى إذا كنت قد أغرمت بشعره، ورضيت عن طرائقه وموضوعاته، تسلمك لناقد المحترم بآرائه فلا يدعك حتى تغثي نفسك ويتقزز خيالك، وتمسخ الصورة الجميلة الرائعة الحبيبة فتصبح هولة أو سعلاة. . .

أما الخطة التي يغازل الشعر فيها شباة القلم، فلا تتأتى إلا إذا كانت ثمة صلة روحية بين الشاعر والناقد. ولقد أراد المرحوم الأستاذ صادق عنبر أن يكتب كلاماً ما يجعله مقدمة لديوان رامي، فلم يستطع أن يقول شيئاً. ولكنه كتب سطوراً جميلة، يحمل كل منها بيتاً منثوراً من الشعر، لا يصله بالبيت السابق ولا يربطه بالبيت اللاحق سبب من الأسباب. . . وإليك نموذجاً من أوائل هذه الأبيات:

عرفته فتياً يخف للشعر ويجتمع له. . . الخ

وعرفته وقد لبس الشباب، وإذا شمائل مرجوة المخايل. . .

ثم عرفته شاعراً غزلاً يشبه أن يكون كالبهاء. في الضحك والبكاء. . .

وإنك لتراه، فتقرأ شعره فيه. . . وتقرأ له فتراه في شعره، لقد رق مزاج شعره، وعذب على النفس اطراده. . .

ويندر أن تلقاه إلا باكياً أو ضاحكاً. . . فإذا بكى. . . وإذا ضحك. . . وهكذا إلى آخر الصفحات الثلاث التي قدم بها للجزء الأول من ديوان رامي الذي يشمل شعر صباه بين سنتي ١٩١٦، ١٩١٧

وأنا ولله أعذر المغفور له الأستاذ عنبر وأطلب من الله الرحمة، فرامي من الشعراء الذين تصعب الكتابة الموضوعية عنهم، وقد غازل الشعر قلم عنبر كما يحاول أن يغازل قلمي الآن، وكما غازل قريحة شوقي - رحمه الله - حينما قدم للجزء الثاني من ديوان رامي بأبيات ثمانية يقول في أولها:

ديوان رامي تحت حاشية الصبا ... عذب عليه من الرواة زحام

بالأمس بل صدى النهى وسمْيُّه ... واليوم للتالي الولي سجام

شعر جرى فيه الشباب كأنه ... جنبات روض طلهن غمام

في كل بيت مجلس ومدامة ... وبكل باب وقفة وغرام

<<  <  ج:
ص:  >  >>