فرفاعة إذن لم يبدأ البعث إلا مقلداً المستشرقين، وذلك بعد تأسيس مدرسة الطب بنحو ثلاثين سنة وقبل تأسيس المويلحي جمعية المعارف بنحو عشر سنوات
رابعاً: وإذا رجعنا إلى صدر الفقرة السابقة لم نجد مفراً من الجزم بأن آثار البعث قد ظهرت في النثر قبل ظهورها في الشعر. فالبارودي الذي يمثل أول أثر البعث في الشعر لم يكن قد ولد حين نهض النثر ليحمل تراجم تلك الكتب، فالبارودي لم يولد إلا سنة ١٨٣٩ (١٢٥٥هـ) بينما الكتب التي ترجمها وألفها المترجمون كالمسيو عنحوري والمسيو رفائيل وغيرهما تبدأ قبل مولد البارودي بنحو اثنتي عشر سنة، والكتب التي ترجمها وألفها رفاعة وأصحابه وتلاميذه بدأ ظهور بعضها قبل سنة ١٨٣١ حين عاد رفاعة إلى مصر وظهر كثير منها والبارودي لم يولد وبعضها وهو ملفوف في أقمطته إذا كانت مدرسة الألسن قد أسست برياسة رفاعة نحو سنة ١٨٣٤ وما أسرع ما نبغ كثير من تلاميذه في الترجمة والتأليف مثل عبد الله أبو السعود واحمد عبيد وخليفة محمود فألفوا وترجموا كثيراً من الكتب، ولا ريب أن هذه الكتب التي ظهرت قبل شعر البارودي كانت تكتب نثراً لا شعراً، ولا ريب كذلك أن نثرها - وإن لم يبلغ مبلغاً عالياً من البلاغة - يرتفع كثيراً عن نثر الجبرتي والشرقاوي، وغيرهما قبله وإذن فالنثر قد تأثر قبل الشعر ببعث القديم لا كما زعم الدكتور في مقاله وكرر زعمه مرتين من أن الشعر تأثر ببعث القديم قبل النثر، ولكن لا مفر لنا من تقييد النثر الناهض بأنه النثر التأليفي وليس النثر الفني أو الأدبي، وإن كان هذا لا ينفي أن النثر الأدبي أيضاً قد استمد من بعث القديم مادة غزيرة للفكر، وذلك لأن نواة النهضة الثقافية في مصر هي العلوم التي كانت تدرس في مدرسة الطب بأبي زعبل. وفي ذلك قال الزيات:(لم ينل الأدب من عناية الأمراء العلويين ما نال العلم)
خامساً: قال الدكتور: (في الحق إننا لا نعرف أسلوباً يتميز به الأدب الحديث بأضيق معانيه غير أسلوب القصة، فهي أكبر مظهر من مظاهر الأدب الحديث، وليس بخاف أن القصة حديثة العهد ببلادنا، وهي بمجرد ظهورها أخذت تغذي السجع بمادة الفكر وتنقله من التفاهة إلى الجد، وهذا واضح من حديث عيسى بن هشام، فأسلوب المويلحي برغم حرصه على أوجه العبارة البلاغية لا يخلو من فكر وإحساس صادقين، وذلك لأن القصة بطبيعتها تقدم للكاتب مادة، وكل مادة تحتاج إلى العبارة عنها، فيأتي الأسلوب محملاً بتلك المادة. ومنذ أن