للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشاب، وإلى الوضع الذي وضعته فيه المقادير بعد هذا الخطب الجلل:

كم جنى والد على أبن ولكنا ... جنينا عليك - صفحاً وغفرا

ثم هنيئاً فليس بالميْت من خلّ ... ف من بعد موته ابناً أبرّاً

أنا أحنو على اليتامى وأرعى ... أيّما عاشرتك بالطهر دهرا

ثم أحيي ذكراك ميتاً وقد خلد ... ت ذكرى تضوع في الكون نشرا

ولم يفتأ رامي يذكر أباه ويرعى عهوده، ويذرف عليه دموع أمانيه:

كم مر بي عيد تمنيت أن ... يكسوني فيه جديد الثياب

وكم نقضت بي ليال ولا ... سمير لي فيهن إلا الكتاب

وحين أدركت المنى لم أفز ... من ثغره بالبسمات العِذاب

وكم جلسنا أسرة نرتجي ... رجوعه بعد طويل الغياب

نرنو إلى موضعه بيننا ... وقد خلا من بشره والحِبابْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نشأت في يتم ولي والد ... فما اكتفى الدهر بهذا العذاب

نرنو إلى موضعه بيننا! ما أبسط هذا التعبير وما أبدعه وما أشد لذعه! لقد كان يتم رامي مفجر ينابيع الإنسانية في قلبه الشاعر النابض الكسير! لقد صحبه ذلك الشعور باليتم حتى في رثائه أصدقاءه، ولعل ما رثى به صديقه، فقيد الأدب والشعر والمسرح المرحوم محمد تيمور، هو من عيون الشعر العربي في باب رثاء الأصدقاء:

كيف أرثيك يا رفيق شبابي ... يا نجي من شيعة الأحباب

أبدمعي؟ الدمع أرخص ما يب ... كى به صاحب على الأصحاب

أنت أولى بأن يبلل مثوا ... ك بنضح من الفؤاد مذاب

وهو يلم في القصيدة كلها تلك الإلمامات العائلية المؤلمة التي لا يقدرها إلا من جربها، والتي تذيب القلوب وتقطع نياطها ألماً وحزناً:

طار لبي لما نعيت وضاقت ... بي دنيا كثيرة الأسباب

تلك حالي؛ فكيف حالك يا تيم ... ور لما غدوت في الغياب

خلت الدار منك يا بهجة العم ... ر وأقوت من سرحها المخضاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>