وليس لدينا من الفراغ ما نقف على مواضع الجمال الجزئية في تصوير الطبيعة في الصيف إبان الحياة، وفي والشتاء إبان الموت، ولا في تصوير وسوسات الحياة ووساوس الموت هنا وهناك:(حين يوسوس العشب ويتمايل بأعطافه. وحين يحن الصفصاف ويترقرق الماء. وحين يتوانى الجدول وينعس الهواء)، أو:(حين يسمع للسفوح فحيح في العاصف المهتاج. وحين يصبح الإعصار حطاب الوادي الذي يطيح بأعواده. وحين يهجر الحقل الريح تتولى حصاده). . . الخ. فهذه جزئيات قد تخطر للشعر العربي، ولا سيما لابن الرومي
ولكننا نتجاوز هذا إلى الظاهرة الكبيرة الجامعة في هذه المقطوعة. تلك هي شعور الفتاة بأنها لا تستطيع أن تموت والطبيعة في فصل الحياة، ولن تلبي الموت إذا دعاها، لأن الطبيعة حولها حتى وهي خلية حية في هذه الطبيعة النامية. أما حين يدب الموت في الأم الكبيرة. فهنا يحس أبناؤها أن لا مانع من إجابة دعاء الموت، وذلك (حين ننفر من كل شيء ولا نتوق لشيء)، وحين يدب الموت من الداخل تسهل إجابة النداء من الخارج
وفي القطعة مجال لتصوير (المرأة) التي تحسب الموت طوع رغباتها ورغبات الحياة النابضة في قلبها كأمها الطبيعة، فهي تناديه أن ينصرف عنها الآن، كما تنادي الخطيب والحبيب في تمنع وإدلال! ولكننا معجلون عن الإفاضة في هذا إلى إيضاح الظاهرة الكبيرة الجامعة في قطعة أخرى لفتاة جديدة! (للورنس هوب) الاسم الرمزي لشاعرة إنجليزية معاصرة أيضاً!
إن رفيق الحياة يدعوها. . . وإنها لترغب في إجابة دعوة الحب والحياة، ولكن الطبيعة حولها حزينة والليلة شاتية، وإنها لتشعر أنها هي وهو وثمرة هذه الاستجابة إنما هم جميعاً خلايا في هذا الجسم الحي، وأن هذا الحزن الذي يدب في حنايا الطبيعة سيتسرب في (الروح الهائمة على أعتاب الدنيا تستجدُّ فيها جثمانها). فتنشأ الثمرة وفيها من هذا الحزن قطرات. فلتؤجل الدعوة إذن إلى حين تكون الطبيعة كلها في فرح صبوح: