وعلى البعد (ابن آوى) هزيل خافت العواء
يزيد الغسق وحشة وعزلة
(النهر الدافق يتقدم إلى البحر بهمهمة الشكوى
والظلال تؤوي إليها الوساوسَ الخفية
وعيناي ترنوان نحو عينيك ابتغاء عزاء
فتلقاهما الأهداب مبللة بالدموع
(إن الروح الهائمة على أعتاب الدنيا تستجدْ فيها جثمانها
إن دخلتْ من خلال قبلاتنا إلى حظيرة الحياة
ورثت كل ما في قلوبنا من أسى
وكلَّ ما في المطر المنحدر من شجن مكظوم
(لا. حين تشتهي استجابة الحب الكبرى
أقبل إليَّ والصباح يرتع في الأنوار
والبلابل من حولنا مشوقة تصدح بالغناء
بين الورود من حمر وبيض
(وكذلك حين يقضي الله لي تلك الفريضة الحلوة القدسية
مذعنة لمشيئته الإلهية
كي أمنح الدنيا صورة من جمالك
لأسلمنها إذن إلى الدنيا ومعها فرحي فيك)
فهذه شاعرة وامرأة. يبدو في مقطوعتها طريقة إحساسها بفرح الطبيعة وحزنها، وتتبين الوشائج الحية بينها وبين هذه الأم الكبيرة؛ وهذه هي الظاهرة التي نريد إبرازها. ولكن هذا لا ينسينا أن نقف مرتين أمام موضعين من مواضع الإبداع في القصيدة:
الأول: طريقة الإحساس بحزن الطبيعة وفرحها: فالمطر (الذي يقطر حزيناً وانياً عبرات أسى تحت سماء شجية) يجتمع إلى (ابن آوى هزيل خافت العواء على البعد) فيزيد الغسق وحشة وعزلة. و (النهر الدافق يتقدم إلى البحر بهمهمة الشكوى) يجتمع إلى (الظلال تؤوي إليها الوساوس الخفية) وكلاهما يجتمع إلى (عينيها ترنوان نحو عينيه ابتغاء عزاء فتلقاهما