بلسان العرب، فإنه يستحيل أن يكلف الرومي والهندي والتركي أن يقبلوا القرآن معجزاً ويؤمنوا به وبمن أتى به، فما حجة نبوة محمد (ص) على هذه الأمم كلها إلا أن يقام عليهم من صورهم وتراكيبهم حجج عقلية هي موجودة في معاني القرآن دون ظاهر لفظة عند الراسخين في العلم يقوم منها برهان نبوة النبي (ص) وإلا فلا برهان.
وقول آخر مختصر شاف: أن العقل صنع الله سبحانه في باطن الإنسان يرى به مبصرات الآخرة ككون العين صنعه في ظاهره يرى بها مبصرات الدنيا، وقد يشرك الحيوان الإنسان في العين، ولا يشركه في العقل؛ فما يقال فيمن أعمي عينه بيده فحجب عنها ضياء العالم ونوره؟ وهل يحكم على من فعل ذلك بعين يشركه الحيوان فيها إلا بضعف الرأي وسوء الاختيار؟ أفلا يحكم على من أعمى العين المطموح بها إلى دار القرار بالشقوة والخسار وحلول جهنم دار البوار نعوذ بالله من ذلك. وجملة ما يقال في قضية قولهم إن الشرع غير موضوع على العقل إن ولي أفاقه من قصر أن يكون بجناح البرهان فيها طائر فرأى أنه إن أثبت لكل شيء برهاناً ودليلاً، واقع خطباً طويلاً، وبدل تصحيح جسم رياسته تعليلاً فأبى أن يسلك في هذا القول مضيقاً، وآثر أن يقتصر على نفسه طريقاً، ونفى أن بين الشرع والعقل صحبة أو قربة وسن بقوله هذا سنة أبقت على دين الإسلام سبة. الخ)
هذا نص المجلس الثاني من المجالس المؤيدية بعد حذف الابتداء والانتهاء وهو يدل على مقدار حذق المؤيد وقوة حجته وتهكمه بخصوم مذهبه. ومن الطريف أني قرأت في الأسبوع الماضي مقالاً للأستاذ الجليل عزيز بك خانجي يتحدث فيه عما سمعه من المرحوم الشيخ محمد عبده في تفسير سورة (والتين والزيتون) وأضيف الآن أن المؤيد داعي الدعاة أشار إلى هذه السورة في ديوانه بقوله:
ففكروا في التين والزيتون ... واستكشفوا عن سره المكنون
ولم أتى من ربنا به القسم ... كما أتى بالنون أيضاً والقلم
أما في المجالس المؤيدية فقد أوَّل هذا القسم بنفس التفسير الذي سمعه الأستاذ خانجي من الشيخ محمد عبده. فقال المؤيد: (وقعت الكناية عن آدم بالتين وعن نوح بالزيتون لأن كل ثمرة يتقدمها ورق ونوار، والتين ينشق عنه أعواد الشجر وكل حي يسبقه حبل وولادة، وآدم استخلصه الله من أديم الأرض من غير حبل وولادة فمن أجل ذلك مثله بالتين،