شاهد خاص لنتبين أن هذه الخاصية تتحقق في كل ما كتب المنفلوطي كما تتحقق في المويلحي والبكري والرافعي والزيات من رجال التيار الأول، فأي كلام للمنفلوطي صالح لأن يكون شاهداً على قيام هذه الخاصية بأوضح سماتها، ومن أجل هذا ولضيق المقام تركت الاستشهاد، وأترك للدكتور أن يجيل بصره في أي صفحة مما كتب المنفلوطي - وإنه لكثير - سواء ما وضع وما ترجم وأنا واثق أنه سيجد هذه السمات التي رآها رجال التيار الأول القائمة في آثار المنفلوطي، بل سيجدها في آثاره أوضح مما هي في آثارهم، فما أكثر ما لجأ المنفلوطي في سبيل إخضاع الفكر أو الإحساس لطرق الأداء، وتجويد العبارة إلى إخراج الفكرة مضطربة، والإحساس شائهاً، وأظهر ما تظهر هذه السمات فيما ترجم المنفلوطي فإنه - لجهله الأصل يترجم عنه - لا يقف في تصرفه عند حد حتى ليضل من يقرأ جزءاً من ترجمته العربية حين يحاول أن يتعرف مقابله من الأصل الأجنبي، بل كان يلجأ أحياناً إلى القصة الأجنبية فيجعل مقدماتها أعجازها، ويشيع فيها الهدم علواً وسفلاً، ويقص بعض أطرافها ويزيد في بعضها الآخر، ولا يزال مكباً عليها مسخاً وتشويهاً حتى ليعجز متبعه عن السير معه وحتى ليكاد يخفي الأصل كله عنه لولا أن يهتدي إليه من طريق آخر كالأعلام مثلاً، وما علينا إلا أن نرجع إلى ترجمته لقصة غادة الكاميليا فقد غير حتى عنوانها ثم جعلها قصتين بعنوانين، كما يظهر ذلك من الرجوع إلى مجموعته (العبرات) وهذان العنوانان يظهران حتى في فهرس المجموعة، ولو وازناً بين ترجمة القصة في آخر مجموعته والأصل الفرنسي أو بينها وبين الترجمة العربية للدكتور أحمد زكي بك لرأينا مقدار ما جنى المنفلوطي بجهله الأصل وحريته التي لا تقف عند حد - على هذه القصة الفريدة الخالدة، ولقد كان مسخه يمتد إلى كل ما يترجم حتى العناوين، وما أظن الزيات فيما ترجم - مع حرصه أيضاً على تجويد العبارة - قد اجترح شيئاً من آثام المنفلوطي لأنه يعرف الأصل ولا يترك الاتصال به في أي موضع من المواضع، وإنما اخترت الزيات لأنه باعتراف الدكتور من رجال التيار الأول
ولم يكن المنفلوطي ليكتفي في الترجمة بما تضعه اللغة العربية بألفاظها وخصائصها من عراقيل في طريقه رغم أنفه، مع أن كثيراً من ذلك يستمد معناه من البيئة الصحراوية التي نشأت فيها العربية كما يستمده من الحوادث العربية المحضة، وإنه لعبء أي عبء يحس