(إنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ ترَونَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٌٍ عَمَّا أرضَعَتْ؛ وتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها، وَتَرى الناسَ سُكارَى، وَما هُمْ بِسُكارَى ولَكنَّ عّذابَ اللهِ شَديدٌ)
وليس النسق القرآني وحده في النظم هو الذي يرتفع بهذا التعبير إلى مستواه الذي تستشعره النفس عند تلاوته. إنما هي هذه الطريقة التصويرية كذلك، حيث يزدحم الخيال بصور كل مرضعة ذاهلة عما أرضعت، شاخصة تنظر ولا ترى، وتتحرك ولا تعي، وصور الناس سكارى وما هم بسكارى، في عيونهم ذهول السكر، وفي خطواتهم ترنحه
إن هذا الحشد من الصور الذاهلة هو العمل الفني الضخم في هذا التعبير
وليست هذه الصور فلتات في القرآن إنما تلك طريقة متبعة وخصيصة شاملة، وفي هذا يتفرد القرآن وحده. فالتصوير قد يقع فلتات في الشعر العربي، تكثر في الشعر الجاهلي وتقل في الشعر الإسلامي. ولا يعد قاعدة في هذا الأدب كله. ثم تبقى بعد ذلك درجات السمو في هذا التصوير. ولها مجال غير هذا المجال
طريقة التصوير والتظليل التي نوجه إليها الأنظار، هي الطريقة التي وردت فيها فرائد الشعر العربي التي تهيأت للشعراء على ممر الأجيال
فأجود ما وقع لامرئ القيس هو من الشعر التصويري مثل:
وليل كموج البحر أرخى سدوله ... عليّ بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت: له لما تمطى بصلبه ... وأردف أعجازاً وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ... بصبحٍ وما الإصباح منك بأمثل
فتشخيص الليل هنا ومنحه الحياة، ورسم هذه الصورة المتحركة له، هي موضع الجمال في هذه الأبيات لا مجرد معنى أن الليل قد طال وأنه سئم هذا الطول
وكذلك بيته الآخر في وصف حصانه:
مِكَّرٌ مِفَّرٌ مقبل مدبر معاً ... كجلمود صخر حطه السيل من عل
وما فيه من تشخيص الصورة والحركة، لا مجرد معنى أنه يكر ويفر ويقبل ويدبر في لحظة واحدة. وأجود ما وقع لزهير أبياته التصويرية كذلك مثل:
إذا ما غَدَوْنا نبتغي الصيدَ مرَّةً ... متى نَرَهُ فإننا لا نُخاتِلُهْ
فَبَيْنا نُبَغِّي الصَّيْدَ جاء غُلامُنا ... يَدِبُّ ويُخْفي شَخْصَهُ ويُضائِلُهْ