التاريخية؛ وهذه المزاعم والنزعات كلها تمثل اليوم بقوة في الأدب التركي الجديد، ولا يسمح للمفكرين والكتاب الترك أن يعالجوا غيرها أو أن يعالجوها بما يخالف النظريات الرسمية؛ فالأدب التركي اليوم كالأدب الروسي، أدب حكومي تشرف عليه الحكومة وتوجهه إلى ما ترى فيه تحقيق برنامجها السياسي والاجتماعي.
وقد كانت الفاشستية بلا ريب أعظم حركة سياسية اجتماعية حدثت بعد الحرب؛ وكان لها في توجيه التفكير والآداب أعظم أثر. ونلاحظ أولاً أن الانقلاب الروسي في هذا التوجيه أبعد مدى من حيث كونه ينكر أسس المجتمع القديم كلها، سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية، ولكن الفاشستية لا تذهب في الهدم إلى هذا الحد؛ وبينما تذهب البلشفية إلى تقوية النزعات الثورية والحرة في حدود الطغيان البلشفي، إذا بالفاشستية تقمع كل نزعة ثورية أو حرة تتجه إلى محاسبتها. وقد كانت الفاشستية إلى ما قبل عامين حركة محلية إيطالية، ولكنها تغدو اليوم حركة أوربية عامة تحدث آثارها السياسية والاجتماعية والفكرية في ألمانيا وبولونيا والنمسا وغيرها. ولما كانت الفاشستية حركة طغيان شامل، فإنها تبسط سلطانها على الحركة الفكرية كما تبسطه على كل قوة معنوية أخرى، وتحاول أن تصفدها في حدود برنامجها، وأن تسيرها طبقا لوحيها وإرشادها. وهنا فرق جوهري بين موقف الديموقراطية وموقف الفاشستية من الحركة الفكرية؛ ذلك أن الثورة الديمقراطية تقع دائما في المحيط العقلي، ثم تحدث آثارها المادية بعد ذلك في الأنظمة السياسية والاجتماعية؛ ولكن الفاشستية تقوم بالعكس في المحيط المادي وبوسائل العنف المادية، ثم تحاول بعد ذلك أن تغزو الميدان العقلي وأن تجعل من الحركة الفكرية أداة لتوطيد سلطانها كما تجعل من الجيش والأسطول؛ ومن أهم الظواهر الفاشستية إنها تعمل على مطاردة القوى العقلية الممتازة التي لا تخضع لوحيها، ولا ترعى سوى الأذهان الضئيلة المتواضعة التي تهرع لخدمة كل سلطة جديدة وكل نظام جديد
ويبدو أثر الثورة الفاشستية في الحركة الفكرية الألمانية بشكل قوي واضح. ففي إيطاليا تسود المبادئ الفاشستية الرجعية في توجيه التفكير والآداب والفنون والحياة العقلية كلها كما تسود الحياة السياسية والاجتماعية، وتغمر الثقافة الإيطالية في جميع نواحيها، وتحاول أن تحدث أثرها في توجيه الثقافة العالمية. ولما كانت الفاشستية تنكر الحريات العامة، فهي لا