بدعوة (شوقي) لي معه في داره (كرمة ابن هانئ) ضمن نخبة أمجاد من غطارفة مصر، وأهلة العصر، فما منهم إلا من استفاض ذكره، وعلا في الفضل كعبه، ونما في المجد حظه. .
ذهبت أنا ورفيقي في الموعد المنتظر إلى (كرمة ابن هانئ) ظهراً، وكنت قد زرتها قبل هذه المرة، جنة أنيقة زاهية، نسقت فيها مغارس الزهر، وخمائل النبت وأصص الورد تنسيقاً يبعث البهجة في النفس، يقوم وسطها قصر جميل يطل على النيل، ويقابل القطم مدلاً عليه بما أوتيه من جمال وجلال، وروعة أخاذة بالألباب، مستفزة للمشاعر، وذلك لأنه مقام الشاعر ومبيت جسمه، ومهبط وحيه وخياله، ومرتع شاعريته وتأمله، ومجتمع أمانيه وآماله، فله ذلك ما دام كذلك. .
دخلنا القصر فاستقبلنا سكرتير الشاعر، فجلسنا في الشرفة الأمامية منه ننتظر قدوم شوقي، ونتأمل محاسن الطبيعة أمامنا، هذه مدينة القاهرة تجاه أبصارنا، كم من خواطر تاريخية تمر على البال في تلك الساعة، إن الإنسان بهذا ليستعرض تاريخ مصر وما يتوالى عليها من حوادث وفتن وانقلاب وأحوال، تتزاحم كلها في ذاكرة الناظر إذا ما أمعن في نظره، ورجع إلى الماضي البعيد، أجل! تستثير كل تلك الذكريات مبان عالية مختلفة، ومنائر ضاربة في الفضاء، وقبب منتثرة هنا وهناك مختلفة في الأعمار، تنطق بالعبر، وتشهد على أن الزمان دول. وكان على جانبي السلم الرخامي تمثالان قائمان يحمل كل منهما شبه مصباح في يديه. فسألني صاحبي عن تعليل لطيف لذلك، فقلت إن هذا أصدق تخيل يطابق (ديوجيني) وقد حمل سراجا يدور به في شوارع (أثينا) ليفتش عن الرجل في الليل والنهار، وفي الأخير وبعد تجوال طويل عثر على امرأة خبرها فوجد فيها المثل الأعلى للإنسان الذي يبتغيه فقال (لقد بحثت عن الرجل بكل مكان فلم أجده، ولكني وجدت المرأة) وما أشبه هذا التمثال الصامت الناطق القائم في مدخل الدار حاملا بيده مصباح الحكمة والهداية بديوجيني، وكأنه هنا وقف للغادين والرائحين يقول (ها قد وجدت ضالتي المنشودة بعد عصور طويلة، لقد وجدت الرجل، لقد عرفت الرجل، هيا أدخل ترى الرجل).
وأقبل إلينا شوقي بعد فترة عاجلة من الزمن متهللاً، فتقدمنا إليه مسلمين، فرحب بمقدمنا غاية الترحيب. وانتبذنا جانب شرفة القصر ريثما يتم اجتماع الآخرين، وكان الشاعر في