أملت الظروف على عظماء القادة أن يكونوا غلاظ الأكباد، لا لشيء طبيعي في نفوسهم، ولكن لأن أعمالهم تحتم ذلك، فيكون في الشدة الرادعة ما يشبه الدرس للآخرين، وخصوصا في ظروف حاسمة لا تسمح بالتراخي واللين)
والذي لاحظناه من صرامة خالد هو الذي لاحظه عمر إبن الخطاب رضى الله عنه حين قال:(إن سيف خالد لرهقاً) بل هو الذي بدا من براءة النبي عليه السلام إلى الله مما فعل (خالد بن الوليد) بعد حادث بني جذيمة
على أننا نفينا عنه قسوة الضغينة الشائنة وقلنا:(إن هذا الولع كله بالحرب لم يكن ولعا بالشر والسوء، ولا ولعا بالضغينة والبغضاء، فكانت عداواته كلها عداوات جندي مقاتل، ولم تكن عداوات مضطغن آثم. . . وعلى كثرة من قتل خالد في حروبه لم يكن يقتل أحدا قط وهو يشك في صواب قتله وإن أخطأ وجه الصواب. . . أما إذا شك في صوابه فهو يستكثر المساءة إلى رجل فضلاً عن الجحافل والقبائل، ويسبق إلى الرفق رجلا كأبي عبيدة عرف طول حياته بالرفق والرحمة والأناة. . .)
ونحن بعد هذا لا نستغرب الصلابة في أخلاق رجال الحروب، ولكننا لا نغتفر سفك الدماء لغير ضرورة وبغير حساب، فإن الشجاعة صفة إنسانية عالية، وليس مما يوافق الصفات الإنسانية العالية أن تهون حياة الألوف لغير سبب وبغير حجة، وأن يعمل القائد في الميدان كأنه ليس بإنسان، وما علمنا قط أن الرفق في أخلاق المعسكرين كان عائقا بينهم وبين الظفر والنجاح، فإنهم بهذا الرفق يحسنون صيانة الأرواح في جيوشهم ويكسبون ثقة الأمم ويحاربون بالسمعة المشكورة كما يحاربون بالرهبة والسلاح.
وقال ناقد الأديب:(. . . كان ضرورياً أن يذكر فصل خاص بصفات خالد الحربية، وفصل آخر خاص بفنونه الحربية، وفي الأول نستطيع أن نفاضل بين خالد وغيره من عظماء العسكريين في جميع العصور)
والعجب أيضاً في هذه الملاحظة أن الناقد الأديب يتطلب هذا الفصل وهو معقود في الكتاب، ويتطلب المقابلة بين خالد وغيره من العظماء العسكريين، وقد قابلنا بينه وبينهم في موضع المقابلة.
ففي الكتاب فصل عن عبقريته الحربية يستغرق اثنتي عشرة صفحة، وفي هذا الفصل