للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الغضب، ورجما بالأوهام

عرضت لعيوب الكتابة الأدبية، وبينت من شناعتها ما لا تذكر معه عيوب كتابتنا. ثم قلت إن الكتابة الأوربية محمية بالأساطيل والطائرات والفتنة والهيبة اللتين تأخذاننا من كل جانب. وهي كلمة حق تجمل ما نحن فيه من افتتان بكل ما يأتي من أوربا وازدراء لكل ما عندنا. وما قصدت بهذه الكلمة الأستاذ عبد العزيز باشا ولا جماعة في مصر، ولا المصريين وحدهم، ولا البلاد العربية فحسب. بل أردت بها ما يعم أقطار الشرق كلها من هذه الفتنة. فأثارت هذه الكلمة ثائرة الأستاذ، وقد اعترف هو بهذه الفتنة في نفسه حين قال وهو آخذ بمخنق الكاتب الذي أرسل إليه مقالاً بالبريد. قال هو يعرب عن إكباره وإعجابه بالقوانين التي أخذناها عن أوربا:

(اعلم معلماً أن العقول التي كشفت لك عن عجائب الكهرباء. وهيأت للناس التلغراف واللاسلكي. كما كشفت لك عن معجزات الطيران الذي طبق عليك وعلي وعلى جميع الناس أرجاء السماء - هذه العقول لها أخ من أبويها يشتغل إلى جانبها بمسائل القانون ويسمو في بيئته إلى ما يسمو إليه اخوته الآخرون، ولكنك لا تراه لأن نظرك قصير)

وكان يمكن الأستاذ أن يطرد القياس، فيقول: ولهم كتابة هي ولاشك أفضل من كتابتنا، وهي العلاج الوحيد للغتنا. الخ.

أليس قياس القانون على الطائرات ونحوها هي الفتنة التي ذكرتها فغضب الأستاذ. ولا أدري لماذا ثار الأستاذ فقال عني: (هنا خلع العلم ثوبه وارتدى ثوبا سواه، الوطنية اللفظية، ولحمة أناشيد أرباب الحناجر). ومضى يكرر هذا المعنى إلى أن قال: (بل لعلي واهم فيما أخشاه على الأستاذ من إمكان حمل عباراته على معنى تعمده مسابقة أرباب الحناجر في حلبة الوطنية اللفظية)

وجوابي أن الله يعلم وأصحابي وتلاميذي يعلمون أني لست من أولى الوطنية اللفظية، ولا ممن ينشدون أناشيدها ويكدون حناجرهم فيها، بل كل صلتي بالوطنية العمل الصامت الدائب الذي لا يبغي من الناس جزاء ولا شكورا، وأن اتهام مثلي بهذا جدير بأن يلقي الشك في كل ما يزعم المتهم وينفي الثقة عن كل كلامه

ثم انتقل الأستاذ في غضبه وانطلاقه مع الغضب غير متئد ولا متثبت، فوصفني وصفا

<<  <  ج:
ص:  >  >>