منطق التجارب في إقناعهم. فكل عيبهم أنهم أطفال جياع شرهون امتدت طفولتهم فاستمروا على حب الحلوى والزينة والمتاع بهما في إسراف، وسخطوا على (صمامات) الأمان و (فرامل) النجاة التي تتمثل في شريعة الاجتماع التي لا يدركون فيها مصالحهم الذاتية قبل مصالح غيرهم
أما سكارى الألم فيحملهم هذيانهم على تحطيم (شريعة الحياة) ذاتها، ولا يعترفون بها، ويقفون من صانعها وجها لوجه وقفة الند للند ثائرين صاخبين ساخطين!
والآن لننتقل بخيالنا لننظر ذلك الشيخ الأعمى المسمر على صليبه يحملق في وجه الظلام السرمدي بعينيه المطموستين، وأمام شفتيه كأس من الحنظل يرشف منها رشفات، ويئن من توقد جمرات الإحساس بالحياة. فينشد معلناً معاني نفسه ويطرحها قضية جريئة ثائرة. . .
فكونُك في هذه الحياة مصيبةٌ
أرى جُرَع الحياة أمَرَّ شئً ... فشاهِد صِدْق ذلك إذ تُقاءُ
شربت قهوة هَمٍ كأسها خَلَدي ... وفي المفارق مما اطلعتْ زَبَدُ
أرى جزء شهدٍ بين أجزاء علقم
أكُلتها جمرةً حرارتُها ... صدت أخا الحرص عن تنعمها
أف لها! جُلُّ ما يفيد بها ... من فاز فيها الطعامُ والباءُ
من لي بترك الطعام اجمعَ ... إن الأكل ساق الورى إلى الغبن
إلى الأنين استراح خِدنُ ضَنّى ... كما استراح السقاةُ بالرجز
ثم تذهب خواطره إلى نوع من ثورة العاجزين الذين يملكون الأفكار الثائرة ولا يملكون الأعمال المحررة التي تحررهم من إسار الحياة العنيف الكريه فينشد:
هذه الحبالة قد ضمت جماعتنا ... فهل ينوصُ فتى منها وينفلت
خلصيني من ضنك ما أنا فيه ... واطرحيني لمنكر ونكيرِ
إلام اجر قيود الحياة ... ولابد من فك هذا الإسار
آه لضعفي! كيف لي هابطاً ... في الوأد أو مرتقياً في العقاب
وما فتئت وأيامي تجدد لي ... حتى مللت ولم يظهر بها ملل
ربِّ متى أرحل عن هذه الدنيا ... فقد أطلت فيها المقامْ