للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وقد تحمله سكرته على حالة يكون فيها مستغرق الفكر في ذهول الحالم

فيالك من يقظةٍ ... كأني بها حالم

والمرء في حال التيقظ هاجع ... يرنو إلى الدنيا بمقلة حالم

وقد تحمله يقظته المرهفة على حالة يكاد فيها يعد أنفاسه سأما وحساسية ببطء مرور الزمن كبطء مرور مبهور الأنفاس أو مرور نمالِ صغارٍ على كثيب من رمال.

وأنفقت بالأيام عمري مجزءا ... بها اليوم ثم الشهر يتبعه الشهر

يسيراً يسيراً مثل ما أخذ المدَى ... على الناس ماشٍ في جوانحه بُهرُ

كذرٍ علا ظهر الكثيب فلم يزل ... به السير حتى صار من خلفه الظهر

وهو شديد الشعور بجزئيات الزمن يتلقاها برهة برهة وتشد عليه سلاسلها، وهو واقف في إسارها جامد لا يتحرك

بتُّ أسيراً في يَديْ برهة ... تسير بي وقتَي إذ لا أسير

وهو يرصد دورات حياته المحدودة المكررة فلا يجد فيها مذاقاً جديداً للحياة:

أُقضِّي الدهر من فطر وصوم ... وآخذُ بُلغةً يوماً بيوم

أعيش بإفطار وصوم ويقظة ... ونوم فلا صوماً حمدت ولا فطرا

تداولني صبح ومُسى وحِندسٌ ... ومر على اليومُ والغد والأمس

غدا رمضاني ليس عني بمنقض ... وكل زماني ليلتي آخر الشهر

وهي حالة يبلغ من إلحاحها على صاحبها أنه يتعجل دورة الفلك ويتطلع إلى الغد قبل مرور اليوم:

أصبحت في يومي أسائل عن غدي ... متخبراً عن حاله مُتندَّسا

متى يتقضى الوقت والله قادر ... فنسكن في هذا التراب ونهدأ

ويزيد ن وطأة الشعور بهذه الحالة التعسة أن يرى صاحبها خلاص قرنائه ولذاته ومصارع الأقوام حوله، وبقاءه هو فريداً مردوداً إلى أرذل العمر

يمر الحلول بعد الحول عني ... وتلك مصارع الأقوام حولي

ثم يفر إلى تخيل يومه هو عندما يحين حينه فيرتاح

كأني بالأُلى حفروا لجاري ... وقد أخذوا المحافر وانْتَحوْا لي

<<  <  ج:
ص:  >  >>