للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شيئاً أشبه بهذا القسم من الجامعة المصرية الذي نسميه كلية الآداب. . . أو شيئاً أعظم من هذا القسم من الجامعة الأزهرية الذي نسميه كلية اللغة العربية

وليضحك من شاء من القراء على استنتاجنا ذاك الذي نذهب إليه جادين، ونزيد عليه أن أبا العلاء لم يكن يعلم طلبته أولئك طلبة كلية أبي العلاء. . . بالمجان. . . وأنه لم يكن يؤلف كتبه الكثيرة الضخمة هذه لمن يطلبها ولمن لم يطلبها بالمجان أيضاً. لقد جمعت عدد الكراسات التي أملاها أبو العلاء، من المصادر القليلة التي تحت يدي فوجدتها تربى على عشرة آلاف كراسة، وقد أشرت إلى أن كتاب الفصول والغايات الذي بأيدينا كان يقع في عشرين كراسة أو أكثر أو أقل من ذلك بخمس كراسات - وفي هذا الحجم كانت تقع مئات من كتب أبي العلاء. . . ولو قدرنا أن ثمن الكراسة الواحدة كان عشرة قروش مصرية، وهو تقدير متواضع جدا لزمن أبي العلام، لعرفنا أن أبا العلاء قد اشترى ورقاً، أو كاغدا، أو رَقّا، أو ما شئت فسم مادة كراساته، بمائة ألف قرش. هذا غير المداد والأقلام. . . وإذا ذكرنا أن أبا العلاء كان رجلاً فقيراً، بل رجلاً معدما، لا يزيد دخله عن الثلاثين ديناراً من ذلك الوقف المعرف، كان يقتسمها وخادمه، وإذا عرفنا كذلك أن أبا العلاء كان مع هذا الفقر رجلا كريماً لا يبخل على تلاميذه بحسن الوفادة، وإكرام المثوى والمعونة المادية، وأنهم ذكروا صنفا من البطيخ عنده مرة، فأرسل من اشترى لهم منه حملاً كاملاً، أكلوا منه ونعموا، ولم يذق هو منه شيئا. ً. . لو ذكرنا ذلك كله لما ضحك أحد علينا حين نستنتج أن أبا العلاء لم يكن يعلم الطلبة لله، ولم يكن يؤلف كتبه - حين تطلب منه - لله! بل كان الرجل يأخذ على ذلك كله أجوراً تتراوح بين القلة والكثرة، وإن يكن لم ينعم من أجورها بشيء إلا ما ينفقه على ضرورات حياته الضيقة، ثم ينفق الباقي في شراء الورق أو الكاغد أو المداد والأقلام. . . وفي شراء المصادر التي لم يكن له غناء عنها. . . إذ من السذاجة أن نذهب مع الذاهبين إلى أن ذهن أبي العلاء، بالغاً ما بلغ من القوة، كان يختزن كل تلك الغرائب اللغوية دون حاجة إلى مصدر يضبطها له أو يمسكها عليه. وقد أشار الدكتور طه في غير كتاب من كتبه عن أبي العلاء إلى أن الرجل كان يقبل الهدايا من أصدقائه ومحبيه. ولست أدري ماذا منع الدكتور من الجهر بما نذهب إليه الآن من أن أبا العلاء لم يكن يعلم ولم يكن يؤلف، لله، ولا بالهدايا، ولكن باجر كريم معلوم. إذ ما سؤال هذا الدمشقي

<<  <  ج:
ص:  >  >>