إن معظم الخطأ الذي قد نقع فيه عند الموازنة بين عمل شاعر كشوقي بك، نال في زمانه شهرة عالية؛ وبين عمل لأحد الأدباء المعاصرين. إنما ينشأ من اعتمادنا على ما تحوي ذاكرتنا من طنين سبق؛ واطمئناننا إلى هذه الأوهام المقررة؛ والاستغناء بذلك عن مراجعة الأثر الفني مراجعة جديدة
ولكن الدكتور زكي بك يقول: أنه أعاد قراءة (مجنون ليلى). وهذا هو موضع العجب. فالأمر من الوضوح الحاسم، بحيث لا يقع فيه التباس
إن عمل شوقي بك في (مجنون ليلى) كان عملا مشكورا من الوجهة التاريخية في الأدب. وذلك لفتح هذا المجال، ومحاولة نظم الرواية في اللغة العربية - وإن يكن غيره قد حاول قبله ولم يبلغ ما بلغه - وعند هذا الحد يقف تقدير هذه الروايات التي أخرجها جميعاً، و (مجنون ليلى) في أولها
فإما حين تعرض هذه الروايات للتقدير الفني، فإنها تبدو عملا بدائيا متهافتا من جميع الوجوه
وأول ما يلحق الناقد في (مجنون ليلى) هو البرود والركود. فالمجنون - وهو المثل الأعلى لحرارة العاطفة، وللجد فيها ذلك الجد المتلف - يصبح في يد شوقي طيفا متهافتا كأنه أحد شبان القاهرة المترفين الأطرياء اللطاف! كل حرارة الحب عنده بكاء ودموع وإغماء. وذلك كل نصيبه من الجد في هذه العاطفة المشبوبة. بينما يلمح في (قيس ولبنى) حرارة العاشق، وحركة الإنسان، وفحولة هذه العاطفة في نفسه المحبة المهتاجة
أنك لا تلمح مرة واحدة في (مجنون ليلى) تلك الحرقة اللاعجة، ولا تلك الثورة العاصفة. ولم تكن كل ميزة المجنون هي الحب المتهالك الذائب من الرقة والحنين - كما فهم شوقي وكما يفهم الكثيرون من الظرفاء المترفين الوادعين - إنما كانت هي الثورة المشبوبة والحرقة الموقدة، والاضطرام العنيف
لقد كان يحب، ولم يكن (يتدلع)! وكان هذا الحب يتعمقه ويهيجه ويشقيه، وكان هذا الحب يقيمه ويقعده ويثير اعمق مشاعره، ويهزه في الصميم؛ ولم يكن الإغماء والنواح هو كل حظه من الحب المجنون!