استمع إليه فيما يروى له من شعر، ثم استمع إليه فيما ينطق به شوقي، تجد المسافة شاسعة بين شعور وشعور:
استمع إليه يقول:
فيا رب إذ صيرت ليلى هي المنى ... فزِنِّي بعينها كما زنتها ليا
وإلا فبغضها إلىّ وأهلها ... فأني بليلى قد لقيت الدواهيا
أو قوله:
كان فؤادي في مخالب طائر ... إذا ذكرت ليلى يشد به قبضا
كأن فجاج الأرض حلقة خاتم ... عليّ فما تزداد طولاً ولا عرضا
هذه النغمة الجادة، التي تشعرك (بالهول) في هذا الحب العنيف العميق، لا تسمعها مرة واحدة في (مجنون ليلى). وذلك هو المقياس الأول في صحة رسم شخصية المجنون، وتصوير عاطفته كإنسان يحب حقيقة، لا مترف يتظرف بالتهالك في الحب و (يذوب) حنيناً وإغماء كان (الذوبان) هو وحده دلالة الحب الإنساني العميق!
فإذا شئت هذه النغمة الجادة الصادقة العميقة، فانك واجدها في (قيس ولبنى)
أن شوقي لم يعرف الحب، واغلب الظن أنه لم يعرف (الألم) والألم هو ذلك الزاد الإلهي، الذي يفجر عواطف الفنان؛ وبدونه يصبح الفن بل تصبح الحياة كلها متعة رخية توحي باللطف والرقة، ولكنها لا توحي بالعمق والصدق. وما الحب وما الحياة بدون الألم الصادق العميق؟
أما عرض المواقف والمشاهد، فتبدو فيها السذاجة وقلة الحيلة، في إثارة النظارة بالمشاهد الملفقة. وذلك طبيعي ما دامت الحرارة الإنسانية الطبيعية مفقودة
وإلا ففيم هذا الإغماء الذي لا يفيق منه المجنون حتى يعود إليه خمس مرات! لقد أغمى على (قيس لبنى) مرتين. ولكن ذلك كان لمرض هده ولأزمات نفسية حقيقية تهد الكيان. أما المجنون، فيبدو لنا متهالكا متهافتا منذ أول فصل في الرواية، قبل آية أزمة من الأزمات، قبل أن تمنع منه ليلى وقبل أن يهدر دمه وقبل أن تتزوج سواه فكأنما هو (مستعد سلفا) لهذا (الذوبان) الرقيق لأن هذه هي سمة الحب الوحيدة، كما يتوهمها الرجل الظريف!
ومشهد وادي عبقر وشياطينه وحواره مع شيطانه، وكذلك مشهد الصبية الذين يتحاورون: