فريق مع الجنون وفريق عليه كلاهما حيلة من الحيل الرخيصة، التي تنشئها (قلة الحيلة) للفت النظر، حينما تقل الحرارة الطبيعية الصادقة!
وأعجب شئ هو ذلك الخصام بين رجال قيس ورجال لبنى، وكأنه لا يجري في الصحراء وما بها من رجولة وفتوة، إنما يجري في (صالون) بين بعض المترفين الظرفاء ويا للإخفاق عندما أراد شوقي أن يقلد شكسبير في يوليوس قيصر، فيصور ثورة الجماهير واندفاعها من جانب إلى جانب، متأثرة ببلاغة خطيب!
وموقف (ورد) زوج ليلى ذلك الموقف الطري المريب. الكي يقول لنا: أنه رجل كريم عطوف. لقد صور لنا (عزيز أباظة) ذلك الموقف نفسه أو ما يشبهه يقفه زوج لبنى فلم يمل به إلى هذه الطراوة المخنثة، وهو يصور نبله وكرمه. ذلك أنه صوره (إنسانا) حيا، لا دمية من الدمى، التي عرضها شوقي وسماها أشخاصاً!
وذلك في الحقيقة هو الفارق الأصيل بين الروايتين والمؤلفين وهو يلخص الفوارق كلها، ويختصرها: الصدق والطبيعة، والتلفيق والصنعة في كل موقف، وفي كل شخصية، وفي كل عاطفة أو شعور
ومن العجيب أن تخون شوقي في رواياته الشعرية أقوى خصائصه التي بهرت أهل زمانه، وهي قوة الأداء وضوح التنغيم. ففي (مجنون ليلى) أضطرارات في التعبير لا تجد لها مثالا واحدا في (قيس ولبنى)
ففي بيت واحد كهذا:
لِم إذن يا هند من ... قيس ومما قال تَبْرا
يضطر إلى تسكين الميم في (لِمَ) وتسهيل الهمزة في تبرأ. ويطرد هذا التسهيل في مواضع شتى مثل (كيف تجرا) أي تجرأ، و (تهزا بنا) أي تهزأ. . . الخ
وتشاء تصبح (تشا) فقط اضطراراً للقافية في قوله:
وليلى تفيض على من تشاء ... رضاها وتحرمه من تشا
و (مُنازل) تصبح (مُنازِ) فقط لضرورة الوزن في قوله:
(أنعم (منازِ) مساء ... نعمت سعد مساء)
وليلى تصبح (ليلَ) لنفس السبب في بيت ينطق به ثلاثة: