مدرسة رومانتيكية قبل أن يصبح زعيماً لهذه الحركة، وظهرت الفلسفة في الشعر العربي قبل المتنبي والمعري. وكثيراً ما ينعت شكسبير بأنه يتفرد في عصره بالسمو والكمال الأدبي، وأنه ابتكر الدرام لم يتبع في ذلك أحداً ولم يتأثر أحداً، ولكنه في الواقع لم يكن إلا متماً لمجهودات السابقين من الكتاب أمثال نكولاس يودال، وتوماس فورتن، وغيرهما ممن لا يرد ذكرهما في تاريخ الأدب إلا لماماً.
وتاريخ الأدب يوضح لنا هذه الصلات ويربط كاتباً بآخر، وجماعة بجماعة، ومدرسة بمدرسة، كماً يدرس أسباب التطورات المختلفة في عصور الأدب، وتأثير فحول الكتاب في الجمود بالأدب والسير به في مناهجه القديمة والنهوض به وتوجيهه وجهات جديدة. وقد عرفنا أن روح الأدب تتغير من عصر إلى عصر، وكثيراً ما يتحكم الذوق العام عند جمهور الشعب في هذا التغير، فيخرج الأدب على غراره ويتطبع بطابعه. وكما أن لكل جيل أسلوبه في الشعور، فكذلك لكل جيل ذوقه الخاص. هذا الذوق سريع التقلب والتغير، فان عصر فكتوريا في الأدب الإنجليزي (١٨٣٢ - ١٨٧٧) على قرب عهده وشدة صلته بالعصر الحديث يختلف في أدبه عن الأدب الحديث، كما يختلف في زيه عن الأزياء الحديثة. والفرق واضح بين لغة الأدباء في مصر الآن، وبين لغتهم منذ عشرين عاماً فقط، ذلك لأن القراء قد تبدلت أذواقهم وتغيرت طرائق معيشتهم.
وتاريخ الأدب يبحث قبل كل شيء عن أسباب هذا التطور في الأساليب والأذواق، وقد عرفنا أن شخصية الكاتب عامل عظيم الأثر في هذه الانقلابات، لأن الكاتب الفذ يخلق ذوقاً جديداً وينشئ عصراً جديداً ومرحلة جديدة في الأدب، ولكنا يجب ألا نغالي في تقدير شخصية الكاتب حتى نجعلها تبتلع العوامل الأخرى وتستغرقها جميعاً، فقد ذكرنا أن النابغة يصاغ في قالب من الثقافة والمثل العليا والاتجاهات العقلية والخلقية التي يولد فيها، مما يكون له أكبر الأثر فيما يكتب ويخرج لهذا العالم. وكما يؤثر الأديب الفحل في عصره فهو كذلك يتأثر به، ويتوقف نجاحه إلى حد كبير على خضوعه لأذواق الجماهير ومجاراته لأهوائهم، وعلى ذلك فالكاتب ابن عصره، ولابد لنا عند دراسته من معرفة العوامل التي كيفت آراءه وحددت ذوقه الأدبي، وجعلت له طابعاً خاصاً في أدبه - وقد تكون هذه العوامل أدبية ترجع إلى الكتب والمدارس كما يتميز عصر اليزابيث - مثلا - في الأدب