للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإنجليزي باندفاعه وراء الآداب اللاتينية والإغريقية التي بعثتها النهضة الأوربية، فتأثر الكتاب في ذلك العصر بسحر الأدب الإيطالي، وكما انبعثت آداب العصور الوسطى وفنونها منذ سنة ١٧٥٠، وتمثلت في كولروج وسكت. فالواقع الذي لا مراء فيه أن المؤثرات الأدبية تأتي بأذواق جديدة تجرف أمامها أشد الكتاب استقلالاً في الرأي.

ولكن الأدب يتأثر بعدة عوامل أخرى غير العامل الأدبي، عوامل لا تمت إلى الكتب والمدارس بصلة، ولكنها تتصل بالحياة العامة والسياسة والاجتماع بسبب، فكل ما يبعث اتجاهاً جديداً في الرأي أو في منحى الحياة أو في مجرى السياسة والشعور العام يؤثر في تكوين الآداب إلى حد كبير. ويجب علينا دراسة أي أثر من الآثار الأدبية ألا ننسى ظروف الزمان والمكان التي أحاطت بالكاتب عند تحرير كتابه.

٣ - صلة التاريخ بالأدب

لكل جنس من الأجناس البشرية ولكل عصر من عصور التاريخ مميزات خاصة، ومهما تكن شخصية الأديب بالغة من القوة، فأن روح جنسه وعصره لابد ظاهرة فيه وعلى ذلك فتاريخ الأدب يتأثر بمؤثرات وطنية كما يتأثر بمؤثرات شخصية. ويكفي أن نذكر الإصلاح الديني والثورة الفرنسية وظهور الإسلام وتقدم العلوم في القرن التاسع عشر، وغير ذلك من الحوادث العظمى في التاريخ لنتبين العلاقة المتينة بين تاريخ الأدب والتاريخ العام.

ولا يقتصر تاريخ الأدب على دراسة المخلفات الأدبية لمختلف الكتاب، كل كاتب على حدة، وإنما هو يشمل كذلك دراسة أدب الأمة جملة واحدة، وإظهار مميزاته العامة باعتباره إنتاجاً لعقلية هذه الأمة ككتلة واحدة لها تفكير خاص وشعور خاص، فللأدب العربي - مثلا - مميزاته العامة، وللأدب الإنجليزي مميزاته العامة كذلك، وتختلف هذه عن تلك بمقدار ما يختلف الشعبان في الجنس والسلالة.

كل ما له أثر في تكوين الأمة له أثر في نسج أدبها، فأن أدب الأمة هو تاريخها الذي دونته بقلمها يصور لنا أخبار رقيها العقلي والخلقي. وإذا تتبعنا تاريخ الأدب في كل ما طرأ عليه من تقلبات، فنحن على اتصال مباشر بالأسباب الحقيقية، والحركات الدافعة لحياة الأمة في العصور المختلفة، ونحن مستطيعون أن نفهم نظر أهل تلك العصور إلى الحياة وألوان

<<  <  ج:
ص:  >  >>