كتب الدكتور محمد مندور مقالاً في العدد ٥٨٦ من مجلة الرسالة الغراء، ذكر فيه رأيه في المنهاج الذي يجب أن نسير عليه إذا أردنا النهوض ببلدنا. ونص فيه على (شاب مسكين أكبر الظن أنه حديث التخرج من قسم الفلسفة بالجامعة) لأنه (تحدث عن مكافحة الأميين في ضوء علم الاجتماع) فذكر (أن هذه المكافحة ستجري ضد قوانين علم الاجتماع المزعومة) وأنها لذلك لن تنجح لأن عقلية الفلاح ليست عقلية حضارة وعلم وإنما تصبح كذلك بعد أن تنتشر الصناعات في مصر) وأنا لم أقرأ مقال هذا الشاب (المسكين) ولا يعنيني رد الدكتور مندور عليه أو شتمه إياه وإنما يعنيني أن أدفع زعماً نشأ عن سوء الفهم لنظرية المدرسة الفرنسية الحديثة وعلى رأسها العلامة دوركهيم
لعل الفكرة الأساسية في نظرية دوركهيم هي أن الظواهر الاجتماعية تسير وفق قوانين لا تقل في صرامتها عن قوانين الطبيعة، وإنها تتطور تبعاً لسير الزمان واختلاف المكان
وليس معنى هذا أننا لا نستطيع عمل أي إصلاح. ويتحتم علينا أن نقف مكتوفين أمام ما تبرمه تلك القوانين. كلا. أننا إذا دققنا الفهم ووضعنا هذا الإحساس أمام أعيننا أمكننا أن ننشئ فناً إصلاحياً دعامته علم الاجتماع. فمن يقوم على دراسة ظروف البيئة وأحوال الشعب وأخلاقه، ومقدار التطور فيها، ومقدار تقبل الشعب للإصلاح الجديد. ويجب أن نقف على حالته الاقتصادية وقوفاً تاماً. وبالجملة نكون على علم تام بحالة البلد التي نحاول أن نضع لها مشروع الإصلاح، وما يترتب عليه من نتائج في شتى فروع الحياة. وينبغي كذلك أن نستعرض آثاره في الأمم التي أخذت به، حتى نستطيع أن ننتفع بأخطاء غيرنا، وإن نكون على علم بالأحوال والظروف التي أحاطت بتنفيذه حتى نتلافى الضار منها
هذا هو الوضع الصحيح إذا أردنا الإصلاح، وأردنا أن نسير بالمجتمع نحو الكمال في شيء من التدرج الذي لا يحس معه أفراد المجتمع أن شيئاً خارجاً عن طبيعتهم قد أقحم عليهم، بل يشعرون إن إصلاحاً كهذا من طبيعة الأشياء ومن لوازمها. ولعمري أن هذا الشعور وحده قمين بنجاح أي إصلاح
ولقد أجاز بعض العلماء التدخل في قوانين الظواهر الاجتماعية. أي في لغتنا نحن أجاز