والله بهم حول، فان هؤلاء جيش عرمرم، وخير لنا أن نقفل) فيكره ضرار ذلك القول ويقول (والله لا يراني الله منهزماً، ولن أزال أضرب بسيفي في سبيله وأتبع سبيل من أناب إليه، ولا أوليهم الدبر، والله يقول (ولا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله). . .) ثم تكلم رافع بن عميرة فقال (يا قوم أما نصركم الله في مواطن كثيرة وأنتم قليلو العدد؟ ألا إن النصر مقرون مع الصبر. ولم تزل طائفتنا تلقى الجموع الكثيرة، فاتبعوا سبيل المؤمنين، وتضرعوا إلى رب العالمين، وقولوا كما قال قوم طالوت (ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين). .) فيسترد القوم قواهم ويهللون ويكبرون (الله أكبر، الله أكبر، سيهزم الجمع ويولون الدبر).
التقى الجمعان وضرار يتقدم القوم وهو يرجز:
الموت حق أين لي منه المفر ... وجنة الفردوس خير المستقر
هذا قتالي فاشهدوا يا من حضر ... وكل هذا في رضا رب البشر
ثم اخترق القوم وحمل عليهم حملة نكراء فأحدقوا به، فأخذ يستصرخ قومه ويقول:(إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص) فيهجم المسلمون ويصيب ضراراً سهم في عضده فيطمع الروم فيه ويحملون عليه فيأسروه. ويجيء خالداً الصريخ فيولي على جند دمشق ميسرة بن مسروق سيد بني عبس، ويتوجه بطليعة إلى أجنادين، وكان بين جنده فارس على جواد فاره وبيده رمح طويلة، قد تجلبب بجلابيب سود، وتلثم حتى لا يرى منه إلا الحدق، وكان يسبق القوم وخالد يعجب من أمره، فلما أن أدرك خالد المسلمين في أجنادين وجد هذا الفارس المتلثم يهبط على الروم كأنه النار المحرقة، فزعزع الكتائب وحطم الأجناد. وكان يخترق قلب خميس الروم، فما هي إلا جولة جائل حتى يخرج وسنانه ملطخ بالدماء، وقد جندل رجالاًوصرع أبطالاً. ثم يعود فيخرق القوم ثانية معرضاً نفسه للهلاك والناس أمامه مصروع أو فار. وكثر قلق المسلمين عليه وهم لا يدرون من هو_وقد ظنه بعضهم خالد فما هي إلا جولات خالد - ولما رأوا خالداً بينهم سألوه عنه فقال أن والله لأشد إنكاراً وتعجباً.
وما إن غابت الشمس ووقفت الحرب، حتى أحدق القوم بهذا الفارس وفيهم خالد يسألونه