كتبوه من مقالات. ولم أكن لأزيد على هذا الجهد شيئاً لو اعتزمت أو أؤلف عنهم كتاباً. وكل ما يعزيني عن هذا الجهد أن هؤلاء الأربعة هم مع آخرين هم عندي اليوم موضوع كتاب!
ولقد كنت آخذ - في وقت ما - على بعض كتاب الصحف الأول عندنا انهم لا يخصصون جزءاً من وقتهم للنقد وتوجيه الحركة الأدبية. فالآن بدأت أفهم أنهم معذورون. فالنقد عمل يستنفد الوقت والجهد، بلا تعويض مناسب. وخير لهم أن يؤلفوا كتباً موضوعية من أن يتتبعوا أعمال المؤلفين بالنقد. وقد لا يكون بين كل عشرة كتب يقرءونها كتاب واحد يستحق ما أنفق من الوقت في قراءته!
النقد ضريبة يؤديها الناقد من وقته وجهده! - وأنا أؤديها قدر ما أستطيع - وإنني لأرغب في التخلي عن أدائها لأنشئ أعمالاً أدبية أُخرى. فلولا إجازة أعطيتها لنفسي في صيف هذا العام ما استطعت أن أؤلف (كتاباً). وأشهد أنني لم أتعب فيه أكثر من تعبي في إعداد مقال من مقالات النقد الصغيرة!
ولكنني أصرح - وليقل من شاء ما يشاء - بأنه ليس هناك الآن (ناقد) يؤدي هذه الضريبة. كان هناك رجلان يستطيعان أداءها - على اختلاف في النوع والطاقة - هما العقاد والمازني: فانصرفا - وحق لهما ذلك - إلى الخلق والإنشاء
ثم تصدى لها الدكتور مندور. والدكتور مندور من خيرة الشبان المثقفين ومن القلة النادرة بين (الجامعيين) في مصر الذين لديهم ما يقولونه، وما يزيدون به شيئاً غير الفهارس والعنوانات. ولا يمنعني ما شجر بيني وبينه في وقت من الأوقات من الاعتراف له بهذه الخصائص
ولكنه - مع هذا كله وعلى الرغم من كتاب الميزان الجديد - لا يصلح ناقداً. أنها ناقل ثقافة وشارح آداب. أما النقد فلا. إن الحاسة الأولى للناقد تنقصه: حاسة التفرقة لأول وهلة بين الأصالة والزيف، وبين النضج والفجاجة
فالناقد الذي يخلط بين طبيعة المتنبي وطبيعة الأستاذ محمود حسن إسماعيل، فيرى أن هناك خيطاً - ولو ضئيلاً - يصل بين هاتين الطبيعتين، إنما تنقصه الحاسة التي تفرق بين الأصالة والزيف. ولو تشابهت المظاهر في بعض الأحايين