للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويلاحظ رحالتنا العربي فرقاً بين ملامح الرجل المدني وأخيه القروي في إنجلترا، فالأول ضاحك السمات، مشرق البسمات، والثاني كثير العبوس قليل البشاشة لا يستخفه طرب ولا يستثيره لهو إلا في القليل. ويرد رحالتنا ذلك إلى حياة اللهو في المدن فينشأ الطفل على الطرب والخفة والبشاشة. أما القرية فقلَّ أن تجد فيها ملهى قائماً أو ملعباً دائماً. . ومن هنا نشأ أطفالهم على الجد والعبوس والتوقر

وعيب الشدياق في رحلته كثرة الاستطراد. وذلك عائد إلى ازدحام المعاني والأفكار والمعرفة عليه. فهو يروي ويصف ما شاهد ويؤيد ذلك بواقعة حال أو عبارة من مقال. أو يذكر بيتاً من الشعر أو لطيفة من الأدب أو حكاية عن العرب. ثم يعود بعد لف طويل إلى موضوعه الأول

وهو خبير في رحلاته بكل شيء. تراه عارفاً بالطعام، ذواقة لألوانه، خبيراً بأطايبه ناقداً لمعايبه. . . ولهذا لم يعجبه الطعام الإنجليزي على بساطته

وتراه خبيراً بالنساء طبيباً لأدوائهن. . . دارساً لخبايا نفوسهن. يعرفهن بالرمز والشارة، كما يعرفهن بالقول والعبارة. ويقدِّر جمال المرأة أحسن تقدير. . . ويؤثر العين والفم في وجه المرأة لأنهما يتحركان فيحركان الوجد ويثيران الشوق. ولا يذهب مع من قال (أحب منها الأنف والعينان) بل يذهب مع الراجز الآخر حيث يقول: يا ليت عيناها لنا وفاها. . .!

وتذهب به ملاحظته بعيداً فيتتبع الكتاب والشعراء الإنجليز في وصف محاسن المرأة. ويلحظ الفرق بيننا وبينهم في التشبيه والاستحسان. فهم لا يشبهون العيون بالسيوف كما يفعل شعراؤنا، ولا يشبهون المرأة بالشمس والقمر كما نفعل نحن. ولا يشبهون جيدها بجيد الغزال، وإنما يشبهون الجيد بالمرمر أو يقتصرون على وصفه بالبياض. ويشبهون المرأة بالنجم. ولا يستحسنون الفلج في الأسنان كما نستحسنه نحن ويستطرد إلى غسل النساء وجوههن بالصابون فينقله ذلك إلى أول من عمل الصابون، وإلى أول عهد استعماله في لندن سنة ١٥٢٤، وإلى مقدار ما يستهلكه الإنجليزي منه في العام تبعاً لما وصل إلى علمه من إحصاءات

ويصف تقدير المرأة الإنجليزية للهدية وتعظيمها لها مهما قل شأنها وتفه أمرها. فلا تراها

<<  <  ج:
ص:  >  >>