عبيد الله محمد بن عمران المرزباني المتوفى سنة (٣٨٤) أن محمد بن أبي العتاهية قال: (أنشدت أبي أبا العتاهية شعراً من شعري، فقال لي: أخرج إلى الشام، قلت: لم؟ قال: لأنك لست من شعراء العراق، أنت ثقيل الظل مظلم الهواء جامد النسيم) وقال العلامة أحمد بن محمد الفيلسوف المؤرخ الملقب بمسكويه: (إذا أنصفنا التزمنا مزية العراقيين علينا بالطبع اللطيف والمأخذ القريب، والسجع الملائم واللفظ الموفق والتأليف الحلو والسبوطة الغالبة، والموالاة المقبولة في السمع، الخالبة للقلب، العابثة بالروح، الزائدة في العقل المشعلة للقريحة، الموقوفة على فضل الأدب الدالة على غزارة المغترف، النائية عن عادة كثير من السلف والخلف) وقال أبو حيان ينعى على الصاحب بن عباد أسلوبه: (وطباع ما لجبلي مخالف لطباع العراقي، يثب مقارباً فيقع بعيداً، ويتطاول صاعداً فيتقاعس قعيداً)
والظاهر هو أن ظروف أهل العراق في الأخلاق والأدب أصبح في العصور الإسلامية كالحقائق المجمع عليها المتخذة مقاييس وعبراً؛ فهذا أبو منصور عبد الملك الثعالبي يقول في نعت أدب أبي العباس محمد إبراهيم الباخرزي الكاتب إنه كتب إليه بيتين، فأجابه الباخرزي بأبيات منها:
استودع الله الحفيظ حبيبا ... يحكى إذا نظم القريض حبيبا
متطبعاً طبع الشآم مبرزا ... متدرعاً ظرف العراق أديبا
وإذ لم يكن بد من التخصيص المؤدي إلى الاختصاص نذكر أن جماعة من الأدباء خصصوا أكثر الظرف العراقي والإبداع الأدبي بدجلة - أعني سكان بلادها - ومن ذلك ما قاله أبو الحسن علي بن الحسن الباخرزي يصف أدب أبي القاسم عبد الواحد ابن المطرز الشاعر البغدادي بعد إيراده له هذه الأبيات:
عسى طيف الملمة بالنعيم ... يلم بنا على العهد القديم
أرقت له أماطل فيه هماً ... يلازمني ملازمة الغريم
لعل خيال ذات الخال يسري ... فينقع غلة النضو السقيم
وكيف ينام عشق تغلبي ... تؤرقه ظباء بني تميم؟
قال:(هذا لعمري الشعر الذي ورد دجلة فارتوى من زلالها، وروّح بشمال بغداد فرفل في سربالها، واستفاد الصَّحة من اعتلالها) ولقد حكى الباخرزي في هذا الوصف عن شعور