شعره وإحساس أحسه ولون أدب ارتوى من نميره العذب، حتى امتلأ منه. وتفصيل ذلك إنه لما ورد بغداد مدح الإمام القائم بأمر الله الخليفة العباسي، بقصيدة صدّر بها ديوانه منها
عشنا إلى أن رأينا في الهوى عجباً ... كل الشهور وفي الأمثال عش رجبا
أليس من عجب أني ضحى ارتحلوا ... أوقدتُ من ماء دمعي في الحشا لهبا؟
وأن أجفان عيني أمطرت ورقا ... وأن ساحة خدي أنبتت ذهبا؟
وإن تلهَبَ برق من جوانبهم ... توقد الشوق من جنبُي والتهبا
فاستهجن البغداديون شعره وقالوا:(فيه برودة العجم) فانتقل الباخرزي إلى الكرخ وسكنها وخالط فضلاءها وسوقتها مدّة وتخلّق بأخلاقهم واقتبس من اصطلاحاتهم ثم أنشأ قصيدته التي أولها:
هبَّتْ عليَّ صبا تكاد تقول: ... إني إليك من الحبيب رسول
سكرى تجشمت الربُا لتزورني ... من علتي وهبوبها تعليل
فاستحسنها البغادّة وقالوا: تغير شعره ورق طبعه). ولا ينفك الأديب يلمح هذه الإشارات ويقرأ أمثال تلك العبارات ويستحيل هذه الحال في كثير من الكتب الأدبية، وتراجم الأدباء، فالثعالبي لم يومئ إلى ذلك في موضع واحد - أعني الموضع الذي أثرنا خبره - وإنما قال أيضاً في ترجمة أبي الفضل ممد بن عبد الواحد التميمي البغدادي:(وله شعر الأديب الظريف الذي شرب ماء دجلة وتغذى بنسيم العراق) ونحن لا نرى حقاً تسمية الخروج عن الأسلوب العراقي أو الأسلوب البغدادي خاصةً (برودةً) وإنما هو (أثر الانتقال) و (إمارات العبور) من الفارسية إلى العربية، فالمؤاخذة أكثر ما تكون في (الأسلوب) ولا يستطيع الفارسي وإن بلغ الذروة من صحة التركيب في العربية، أن يمتلك زمام مجاز العربية وبلاغاتها الأخر. ثم أن للشعر العربي طابعاً خاصاً به وسمةً دالةً عليه، فالفارسي على إجادته اختيار المعاني وإحسانه تزاويو التشبيه وزخارف الاستعارة، لا يخلص إلى أسلوب عربيّ لا حب، قال نقلة الأخبار إن الإمام أبا العباس أحمد بن الحسن الناصر لدين الله العباسي أسد بني العباس وسياسيَّهم الأعظم وأدبيهم البارع ومحدثهم الماهر لما سمع قول تاج الدين الطرقي الأصفهاني:
إذا ما رآني العاذلون وغردت ... حمائم دوح أيقظتها النسائم